ربيع الثورات العربية

يتحدثون في كواليس السياسة المظلمة عن ثورة بدأت تشتعل نيرانها في العالم العربي .. ثورة أظهرت للعالم بأسره أنموذجا متميزا ومتفردا في الأداء الوطني والحراك الشعبي الحر .. هي سلمية بآلياتها قطعية بنتائجها ، هدفها استعادة الحرية والكرامة والقضاء على الاستبداد والانتهازية والمحسوبيات وسرقة الوطن .
لقد أثبتت الأنظمة العربية أنها قاتلة للحياة .. أنها ساهمت وبشكل واضح بتحويل الحراك السياسي الديمقراطي إلى خريف رجعي متآكل ، فالحزب الحاكم حكمه أبدي ، له الحق في امتلاك مقدرات الوطن ، وله الحق في قيادة البلاد دون أن يكترث للأصوات المعارضة أو النفوس الحانقة ، تنمو من حوله طحالب انتهازية تأكل الأخضر واليابس ، هي صوته إذا تكلم وهي سوطه إلى عاقب وهي يده التي تبطش ولسانه الذي لا يرحم .. فغصت سجونه ومعتقلاته بأبناء الوطن الاحرار ..
وبلغ السيل الذبى .. بلغ حدا لم يعد يحتمله العامة البسطاء ، فالفقر أخذ يلاحقهم في حلهم وترحالهم في غفوتهم وصحوتهم ليسرق منهم بسمة الحياة .. ويكرس فيهم أسوأ النهايات وأحلك المصير ..
في الجانب الآخر من الصورة بدأت تتنامى ثروات القلة المتمسكة بمفاتيح السلطة ، فاستغلوا مقدرات الوطن وأخضعوا القرار السياسي والاقتصادي والأمني لتنمية ثرواتهم وتعزيز موقعهم وتثبيت مقعدهم ، وتحولت الشعارات إلى سيف بيدهم يفعلون بها ما يشاؤون ومتى يشاؤون وكيفما يشاؤون .
وما بعد الكبت إلا الانفجار .. وتحققت معجزة الثورة العربية .. ثورة بكل المقاييس .. ثورة وقف العالم بأسره ضدها لأنه أدرك نتائجها وانعكاساتها فراح يتآمر على إطفاء شعلتها وإخماد جذوتها ، فالمساومات على الطاولة ، والقرارات جاهزة للإصدار ، والأحكام تم اتخاذها والبت في أمرها ، لكنه لا شيء يعلو فوق صوت الشعب وقراره ..
إنها البداية لمستقبل عربي حافل بالمتغيرات .. مستقبل لابد وأن يتم الاعداد له بعناية كيما تذهب التضحيات سدى .. وكيما يقال أنها فورة في فنجان سرعان ما اضمحلت وزالت .. إنها ثورة وجب السيطرة على مخرجاتها لمحاولة الحد من الانحرافات المحتملة في مسارها .. فالانحرافات أمر طبيعي ولكن الأمر الغير طبيعي هو أن ننظر لهذه الانحرافات على انها قدر من الله وجب التسليم به .. لذلك على المثقفين والنخب الفكرية والسياسية والاقتصادية أن تضع رؤية استراتيجية لما يجب أن تكون عليه المرحلة القادمة .. مرحلة ما بعد الثورة .. لأنها ستكون مرحلة التغيير الحقيقي نحو مجتمع حر مجتمع يدرك أن من حقه أن يعيش حياته كالأمم المتحضرة .. مجتمع فيه القانون فوق الجميع .. ولخدمة الجميع.