من يمتلك القدرة على النقد
صفحة 1 من اصل 1
من يمتلك القدرة على النقد
لكل إنسان قدرات تميزه وتعينه على التفكير والتقييم والتأويل والتقدير ، هذه القدرات تتفاوت بحجم التراكم المعرفي والخبرة وبحجم استغلال العقل وإحكام المنطق ، ولكن هل هناك من ضوابط تحد من قدرة الشخص على الإبداع أو الاجتهاد أو النقد أو التقييم ، وهل صحيح ما يقال .. لا تجتهد إلا فيما تعلم وحين يطلب منك ؟ وهل صحيح أن الدعوة لعدم التدخل في شؤون الآخرين هي بمثابة غطاء لأخطاء الآخرين ؟ وتشجيع لهم على التمادي لطالما لا يوجد من رادع ؟ والسؤال الأهم .. من هو الشخص المخول بالنقد والتقييم ؟
في حديث طويل مع أحد الأصدقاء كان الموضوع المطروح للتداول هو هل حقا يجوز لنا كمتعلمين ومثقفين ان نحكم على أمة من الأمم انتهجت مذهبا معينا عن قناعة أو غير قناعة .. هل يحق لنا تكفيرها ، وهل يحق لنا انتقاد مذهبهم وسلوكهم ومعتقدهم ؟
سأبدأ بحديث الرسول العظيم محمد ( ص ) .. من استطاع منكم الباءة فليتزوج .. لنلاحظ هنا أن الزواج يشترط لتحققه أن يمتلك صاحب قرار الزواج القدرة على تأمين متطلبات الزواج ، ابتداء من السكن والعمل وصولا إلى أبسط الاحتياجات .. إذا هناك متطلبات لا يمكن أن يتحقق الزواج من دونها كقاعدة رئيسية .. على هذا أقيس .. لكي تمارس النقد والتقييم عليك أن تمتلك من الثقافة والمعرفة ما يكفي لتتحكم بزمام الأمور ويكون نقدك شاملا وفي محله كي لا تغرد خارج السرب .
إن إظهار الحقائق يتطلب المعرفة كما يتطلب أسلوبا علميا مدعما بالأدلة والبراهين ، كما أن أي رأي يطرح لا بد وأن يكون بعيدا عن التعصب والتشنج الفكري ، وهذا ما ندعوه بالنزاهة في النقد وإبداء الرأي ، والأهم من كل هذا وذاك هو عدم التجريح والمساس بأي طرف ، حيث أن المصلحة من النقد أو إبداء الرأي أولا وأخيرا هي عموم الفائدة وسد الثغرات المعرفية .
بعد كل ذلك نتساءل .. من أنتقد ؟ وهل يجوز استخدام العنف في أسلوب النقد ؟
يشهد العالم العربي في أيامنا هذه ظواهر عديدة تشير وبكل وضوح إلى وجود توجه مخطط له ومنذ فترة نحو علمنة المجتمع من جهة ، ومن جهة أخرى توجه نحو تغيير تركيبة المجتمع العربي الاثنية ، حيث تتحكم القوى الإقليمية بدعم دولي بهذين التوجهين .
فالعلمانية ( Scientific ) بما تحمل من فكر مستورد غربي خلقت بين تناقض الكنيسة الغربية النصرانية والدولة بكل أبعادها ، فالكنيسة الأوروبية كانت من أكبر أعداء التطور والتقدم حيث كان يعتبر كل من يخترع أو يبتكر في عرف الكنيسة مارقا ومرتدا ، وقد مارست الكنيسة كل أساليب القمع الفكري والجسدي ضد كل من يفكر او يحكم عقله ، فظهرت فئة اجتماعية تطالب بإبعاد الدين عن الحياة المدنية وعن الدوله لينمو المجتمع بعيدا عن التعاليم الكنسية المتخلفة ، هذه الفكرة انتقلت بفعل بعض المستشرقين والمستغربين العرب ، وتطور مفهومها ليتناسب مع فكرة الاستعمار والانتداب والاحتلال بغرض إحداث تغير في المجتمعات غير القادرة على التطور ، وراحت الفكرة تأخذ أبعاد جديدة في مجتمعنا العربي وخصوصا مع ظهور الدولة الحديثة التي واجهة مشاكل حقيقية مع تعدد الأديان والفرق في كل دين ، فكان خلاصها تبني فكر العلمانية كي تحافظ على بقائها ووجودها وقوتها ، فانتقلت الحملات الفكرية التبشيرية بالعلمانية والمفعمة بالعداء للإسلام المتخلف الأصولي الرجعي من السر للعلن ، وتمرست في تشويه صورة الإسلام ، وسخرت الإعلام بكل طاقاته وإمكاناته لهذا الغرض ، وبإبعاد الدين عن الحياة العامة وفصل المعتقدات الدينية والاخلاق عن الحياة الاعتيادية والسلوك البشري ، غاب الضابط ديني و خلقي عن العامة وتحول المجتمع إلى غابة تسودها شرعة القوي ، إذا المعنى الحقيقي للعلمانية هو اللادين ، او اللامعتقد ، أو اللا غيبيات .. وهو كمصطلح يختلف كليا عن العلمية ( Scientific ) التي تعني استخدام اسلوب البحث العلمي في الأدلة أو في تناول القضايا ذات البعد العلمي ، وبذلك شهدت المجتمعات الغربية قفزات علمية هائلة ونالت حصتها من التطور العلمي وجنت جنيا لا مثيل له في مجال الإختراعات والابتكارات ، كل ذلك والإيمان غائب عن قلوب الناس حيث تحولت الحياة إلى صراعات وسادت كل مظاهر الفساد والانحلال وتحول المجتمع من مجتمع اناسي إلى مجتمع اقرب في سلوكه للمجتمعات البدائية .
ولأننا مجتمع مقلد في كل شيء يردنا من الغرب .. راحت بعض الأقلام تتحدث بكل حرية عن العلمانية وانعكاساتها على المجتمع ، وزاد الطين بلة ان تبنت حكومات عربية كثيرة هذا التوجه ، وراحت تظهر فقاعات الصراع الفكري بين الحداثة والتأصيل ، وهنا بيت القصيد ..
كيف تمكنت العلمانية من السيطرة على المجتمعات العربية ؟ وما هو رد فعل الإسلام .. ؟
لا يخفى على أحد أنه من أخطر ما يصيب المجتمع بالشلل هو تجريده من عصب الحياة ، والإسلام من حيث المنطق هو عصب الحياة ، لأنه يحمل في طياته أسمى وأرقى التعاليم والسلوكيات .. والأخلاق والفضيلة .
ولبلوغ الأهداف المرسومة بدقة من أجل النيل من هذا الخطر ، لا بد من التأسيس لبناء قاعدة ترفض هذا الدين وتهمشه بغرض نزع البذرة الإيمانية من القلوب فيتحول الفرد ومن ثم المجتمع لمجرد آلية لا تفكر ولا تعمل إلا كما تأمر ويطلب منها ، فكيف تغلغلت العلمانية لمجتمعنا العربي ..
أول ما جاءنا به الغرب عبر آلتهم العسكرية كان الدعوة للانفتاح والتحرر والديمقراطية ، فحارب كل القيم التي يمتاز بها المجتمع العربي كمجتمع إسلامي وأهمها مسألة الكرامة والعرض والشرف ، وبدأ ببث سمومه عبر مرتزقة لا زال مفعولهم إلى الآن ساريا إما في الأوساط السياسية وإما في الاوساط الثقافية ، وحتى في الأوساط الدينية ، واستخدموا القوة العسكرية على اختلافها ( استعمار ، احتلال ، انتداب ، وصاية ، استيطان .. ) والمال والجنس لفرض وبسط النفوذ ، ومن خلال خلق الحكومات في المجتمع العربي ومع ظهور الفكر القومي ، بدأت العلمانية تأخذ نهجا جديدا نهجا تمثل في ترسيخ العلمانية كقناعة في ذهنية الناس والمجتمع من خلال التركيز على النخب الفكرية والعلمية ، فأنفقت الحكومات الأموال الطائلة على الحملات التعليمية والبعثات ، وهنا أستشهد بشيء من هذه النتائج .. طه حسين الأديب الكبير خلف بعد وفاته كتبا تعتبر مرجعا أساسيا للعلمانية حيث دس في كتبه الكثير من الأباطيل والأكاذيب والتلفيق والفتنة ، وما كتابه الفتنة الكبرى والصغرى إلا دليل على مدى دهاء الغرب في قدرته على بث سمومه ونجاحه في ذلك عبر النخب العربية ، وظهر الطابور الخامس المؤيد للغرب والداعم لأهدافه والممارس لأجندته كما هو مطلوب وبأدق التفاصيل .
ولم يكتف الغرب بذلك حيث راح وبكل وقاحة يرسل البعثات التبشيرية للدول التي استعمرها محاولا نشر الدين المسيحي وتعاليمه السمحاء ، بل راح يروج لمقولات المسيح التسامحية محاولين بذلك تغيير الصورة المنقوله عن التشويه في الأديان السماوية السابقة للإسلام ، وساهمت في نشر الكثير من الأفكار الليبيرالية التحررية من خلال زرع أيدي لها في التعليم العالي والإعلام والقضاء وحتى بين رجال الدين ، واستمرت هجمة العلمانية لتنتقل وبشكل ملفت للتعليم حيث ظهرت مناهج تعليمية مترجمة وأخرى تم نزع التاريخ العربي منها واعتبرت الشريعة الاسلامية ( التربية الاسلامية ) مادة غير مرسبة في الشهادات التعليمية ، بل هناك من راح ينادي بنزع آيات الجهاد من المناهج التعليمية و المشجعة على العنف والتي تزرع الكراهية في قلوب الجيل ضد الغرب ، حتى أن الغرب راح يدعم فكرة فتح جامعات غربية في الدول العربية ، كالجامعة الأمريكية في بيروت ، وجامعة الفنون التطبيقية التابعة للاتحاد الأوروبي في حلب ، ودعم إقامة المحافل والمتاحف والمعارض والجمعيات والمنظمات وحتى الأحزاب ، وجميعنا يعرف أن الأحزاب العربية ومنها حزب البعث في العراق وسورية أحزاب علمانية والحزب الشيوعي والاحزاب الناصرية والأحزاب القومية والاحزاب التقدمية ، فمؤسسي حزب البعث هم ميشيل عفلق وصلاح البيطار وزكي الأرسوزي وجلال السيد وغيرهم ممن تتلمذ على الفكر الغربي العلماني والاشتراكي ، فنقلوا التجربة الغربية التي فشلت في النهاية في بلادها ، نقلوها إلى الوطن العربي محاولين غرس غراس لا تتلاءم مع البيئة العربية وحاولوا فرضها بكل الأساليب والطرق .
ولعل أخطر الأساليب التي استخدمت لنشر العلمانية هي الإعلام بكل أشكاله المقروء والمسموع والمرئي ، حيث أنها تصل إلى كل أسرة عربية من دون جهد ، فكانت الأقلام التي تكتب والممثلين والمخرجين ومديري البرامج من الشخصيات التي ترضى عنها الحكومات ومَن وراءَها ، وجميعها يمتاز ببعده عن الاسلام كسلوك وأخلاق ، وراحت مخرجات هذه الوسائل الإعلامية تدعو بكل صراحة للإباحية والانفتاح والتحرر واللا دين ، حيث يظهر المتدينون بهيئة متشددين متخلفين تقودهم شهواتهم ونوازعهم الشريرة نحو تحقيق أهدافهم ، وهذه نفسها الصورة التي ينشرها الغرب في وسائل إعلامه عن المجتمع العربي الإسلامي ، بالإضافة لذلك راح يروج من خلال القنوات الإعلامية عن فكرة الإسلام الحديث والحداثة في الاسلام حيث سادت الدعوى للتجديد والابتعاد عن كل ما هو قديم لأنه رداء التخلف والرجعية ، بالإضافة لكثير من الدعوات التي حاربت التراث الإسلامي والفكر الإسلامي والإيديولوجية الإسلامية الداعية للعنف والإرهاب والتي انتجت الدمار والتخلف والرجعية العربية .
حقيقة إن الموضوع يأخد أبعادا وتشعبات كثيرة .. فمن يمتلك القدرة على ملاحظة ومتابعة الأحداث يدرك حجم التغيير الحاصل في المجتمع العربي والإسلامي ، ولكن .. ما هو رد فعل التيارات الإسلامية .. وهل حقا عجزت هذه التيارات عن مجابهة هذه الهجمة ، هل امتلكت الجرأة للتصريح بوقوفها أمام هذه الليبرالية المتوحشة وأسلوبها لعلمنة الدولة والمجتمع ؟ هل امتلكت الآليات للمواجهة ؟
سنقف عند إجابات وافية عن هذه التساؤلات في الموضوع القادم .. شاكرا حسن متابعتكم والله ولي التوفيق .
في حديث طويل مع أحد الأصدقاء كان الموضوع المطروح للتداول هو هل حقا يجوز لنا كمتعلمين ومثقفين ان نحكم على أمة من الأمم انتهجت مذهبا معينا عن قناعة أو غير قناعة .. هل يحق لنا تكفيرها ، وهل يحق لنا انتقاد مذهبهم وسلوكهم ومعتقدهم ؟
سأبدأ بحديث الرسول العظيم محمد ( ص ) .. من استطاع منكم الباءة فليتزوج .. لنلاحظ هنا أن الزواج يشترط لتحققه أن يمتلك صاحب قرار الزواج القدرة على تأمين متطلبات الزواج ، ابتداء من السكن والعمل وصولا إلى أبسط الاحتياجات .. إذا هناك متطلبات لا يمكن أن يتحقق الزواج من دونها كقاعدة رئيسية .. على هذا أقيس .. لكي تمارس النقد والتقييم عليك أن تمتلك من الثقافة والمعرفة ما يكفي لتتحكم بزمام الأمور ويكون نقدك شاملا وفي محله كي لا تغرد خارج السرب .
إن إظهار الحقائق يتطلب المعرفة كما يتطلب أسلوبا علميا مدعما بالأدلة والبراهين ، كما أن أي رأي يطرح لا بد وأن يكون بعيدا عن التعصب والتشنج الفكري ، وهذا ما ندعوه بالنزاهة في النقد وإبداء الرأي ، والأهم من كل هذا وذاك هو عدم التجريح والمساس بأي طرف ، حيث أن المصلحة من النقد أو إبداء الرأي أولا وأخيرا هي عموم الفائدة وسد الثغرات المعرفية .
بعد كل ذلك نتساءل .. من أنتقد ؟ وهل يجوز استخدام العنف في أسلوب النقد ؟
يشهد العالم العربي في أيامنا هذه ظواهر عديدة تشير وبكل وضوح إلى وجود توجه مخطط له ومنذ فترة نحو علمنة المجتمع من جهة ، ومن جهة أخرى توجه نحو تغيير تركيبة المجتمع العربي الاثنية ، حيث تتحكم القوى الإقليمية بدعم دولي بهذين التوجهين .
فالعلمانية ( Scientific ) بما تحمل من فكر مستورد غربي خلقت بين تناقض الكنيسة الغربية النصرانية والدولة بكل أبعادها ، فالكنيسة الأوروبية كانت من أكبر أعداء التطور والتقدم حيث كان يعتبر كل من يخترع أو يبتكر في عرف الكنيسة مارقا ومرتدا ، وقد مارست الكنيسة كل أساليب القمع الفكري والجسدي ضد كل من يفكر او يحكم عقله ، فظهرت فئة اجتماعية تطالب بإبعاد الدين عن الحياة المدنية وعن الدوله لينمو المجتمع بعيدا عن التعاليم الكنسية المتخلفة ، هذه الفكرة انتقلت بفعل بعض المستشرقين والمستغربين العرب ، وتطور مفهومها ليتناسب مع فكرة الاستعمار والانتداب والاحتلال بغرض إحداث تغير في المجتمعات غير القادرة على التطور ، وراحت الفكرة تأخذ أبعاد جديدة في مجتمعنا العربي وخصوصا مع ظهور الدولة الحديثة التي واجهة مشاكل حقيقية مع تعدد الأديان والفرق في كل دين ، فكان خلاصها تبني فكر العلمانية كي تحافظ على بقائها ووجودها وقوتها ، فانتقلت الحملات الفكرية التبشيرية بالعلمانية والمفعمة بالعداء للإسلام المتخلف الأصولي الرجعي من السر للعلن ، وتمرست في تشويه صورة الإسلام ، وسخرت الإعلام بكل طاقاته وإمكاناته لهذا الغرض ، وبإبعاد الدين عن الحياة العامة وفصل المعتقدات الدينية والاخلاق عن الحياة الاعتيادية والسلوك البشري ، غاب الضابط ديني و خلقي عن العامة وتحول المجتمع إلى غابة تسودها شرعة القوي ، إذا المعنى الحقيقي للعلمانية هو اللادين ، او اللامعتقد ، أو اللا غيبيات .. وهو كمصطلح يختلف كليا عن العلمية ( Scientific ) التي تعني استخدام اسلوب البحث العلمي في الأدلة أو في تناول القضايا ذات البعد العلمي ، وبذلك شهدت المجتمعات الغربية قفزات علمية هائلة ونالت حصتها من التطور العلمي وجنت جنيا لا مثيل له في مجال الإختراعات والابتكارات ، كل ذلك والإيمان غائب عن قلوب الناس حيث تحولت الحياة إلى صراعات وسادت كل مظاهر الفساد والانحلال وتحول المجتمع من مجتمع اناسي إلى مجتمع اقرب في سلوكه للمجتمعات البدائية .
ولأننا مجتمع مقلد في كل شيء يردنا من الغرب .. راحت بعض الأقلام تتحدث بكل حرية عن العلمانية وانعكاساتها على المجتمع ، وزاد الطين بلة ان تبنت حكومات عربية كثيرة هذا التوجه ، وراحت تظهر فقاعات الصراع الفكري بين الحداثة والتأصيل ، وهنا بيت القصيد ..
كيف تمكنت العلمانية من السيطرة على المجتمعات العربية ؟ وما هو رد فعل الإسلام .. ؟
لا يخفى على أحد أنه من أخطر ما يصيب المجتمع بالشلل هو تجريده من عصب الحياة ، والإسلام من حيث المنطق هو عصب الحياة ، لأنه يحمل في طياته أسمى وأرقى التعاليم والسلوكيات .. والأخلاق والفضيلة .
ولبلوغ الأهداف المرسومة بدقة من أجل النيل من هذا الخطر ، لا بد من التأسيس لبناء قاعدة ترفض هذا الدين وتهمشه بغرض نزع البذرة الإيمانية من القلوب فيتحول الفرد ومن ثم المجتمع لمجرد آلية لا تفكر ولا تعمل إلا كما تأمر ويطلب منها ، فكيف تغلغلت العلمانية لمجتمعنا العربي ..
أول ما جاءنا به الغرب عبر آلتهم العسكرية كان الدعوة للانفتاح والتحرر والديمقراطية ، فحارب كل القيم التي يمتاز بها المجتمع العربي كمجتمع إسلامي وأهمها مسألة الكرامة والعرض والشرف ، وبدأ ببث سمومه عبر مرتزقة لا زال مفعولهم إلى الآن ساريا إما في الأوساط السياسية وإما في الاوساط الثقافية ، وحتى في الأوساط الدينية ، واستخدموا القوة العسكرية على اختلافها ( استعمار ، احتلال ، انتداب ، وصاية ، استيطان .. ) والمال والجنس لفرض وبسط النفوذ ، ومن خلال خلق الحكومات في المجتمع العربي ومع ظهور الفكر القومي ، بدأت العلمانية تأخذ نهجا جديدا نهجا تمثل في ترسيخ العلمانية كقناعة في ذهنية الناس والمجتمع من خلال التركيز على النخب الفكرية والعلمية ، فأنفقت الحكومات الأموال الطائلة على الحملات التعليمية والبعثات ، وهنا أستشهد بشيء من هذه النتائج .. طه حسين الأديب الكبير خلف بعد وفاته كتبا تعتبر مرجعا أساسيا للعلمانية حيث دس في كتبه الكثير من الأباطيل والأكاذيب والتلفيق والفتنة ، وما كتابه الفتنة الكبرى والصغرى إلا دليل على مدى دهاء الغرب في قدرته على بث سمومه ونجاحه في ذلك عبر النخب العربية ، وظهر الطابور الخامس المؤيد للغرب والداعم لأهدافه والممارس لأجندته كما هو مطلوب وبأدق التفاصيل .
ولم يكتف الغرب بذلك حيث راح وبكل وقاحة يرسل البعثات التبشيرية للدول التي استعمرها محاولا نشر الدين المسيحي وتعاليمه السمحاء ، بل راح يروج لمقولات المسيح التسامحية محاولين بذلك تغيير الصورة المنقوله عن التشويه في الأديان السماوية السابقة للإسلام ، وساهمت في نشر الكثير من الأفكار الليبيرالية التحررية من خلال زرع أيدي لها في التعليم العالي والإعلام والقضاء وحتى بين رجال الدين ، واستمرت هجمة العلمانية لتنتقل وبشكل ملفت للتعليم حيث ظهرت مناهج تعليمية مترجمة وأخرى تم نزع التاريخ العربي منها واعتبرت الشريعة الاسلامية ( التربية الاسلامية ) مادة غير مرسبة في الشهادات التعليمية ، بل هناك من راح ينادي بنزع آيات الجهاد من المناهج التعليمية و المشجعة على العنف والتي تزرع الكراهية في قلوب الجيل ضد الغرب ، حتى أن الغرب راح يدعم فكرة فتح جامعات غربية في الدول العربية ، كالجامعة الأمريكية في بيروت ، وجامعة الفنون التطبيقية التابعة للاتحاد الأوروبي في حلب ، ودعم إقامة المحافل والمتاحف والمعارض والجمعيات والمنظمات وحتى الأحزاب ، وجميعنا يعرف أن الأحزاب العربية ومنها حزب البعث في العراق وسورية أحزاب علمانية والحزب الشيوعي والاحزاب الناصرية والأحزاب القومية والاحزاب التقدمية ، فمؤسسي حزب البعث هم ميشيل عفلق وصلاح البيطار وزكي الأرسوزي وجلال السيد وغيرهم ممن تتلمذ على الفكر الغربي العلماني والاشتراكي ، فنقلوا التجربة الغربية التي فشلت في النهاية في بلادها ، نقلوها إلى الوطن العربي محاولين غرس غراس لا تتلاءم مع البيئة العربية وحاولوا فرضها بكل الأساليب والطرق .
ولعل أخطر الأساليب التي استخدمت لنشر العلمانية هي الإعلام بكل أشكاله المقروء والمسموع والمرئي ، حيث أنها تصل إلى كل أسرة عربية من دون جهد ، فكانت الأقلام التي تكتب والممثلين والمخرجين ومديري البرامج من الشخصيات التي ترضى عنها الحكومات ومَن وراءَها ، وجميعها يمتاز ببعده عن الاسلام كسلوك وأخلاق ، وراحت مخرجات هذه الوسائل الإعلامية تدعو بكل صراحة للإباحية والانفتاح والتحرر واللا دين ، حيث يظهر المتدينون بهيئة متشددين متخلفين تقودهم شهواتهم ونوازعهم الشريرة نحو تحقيق أهدافهم ، وهذه نفسها الصورة التي ينشرها الغرب في وسائل إعلامه عن المجتمع العربي الإسلامي ، بالإضافة لذلك راح يروج من خلال القنوات الإعلامية عن فكرة الإسلام الحديث والحداثة في الاسلام حيث سادت الدعوى للتجديد والابتعاد عن كل ما هو قديم لأنه رداء التخلف والرجعية ، بالإضافة لكثير من الدعوات التي حاربت التراث الإسلامي والفكر الإسلامي والإيديولوجية الإسلامية الداعية للعنف والإرهاب والتي انتجت الدمار والتخلف والرجعية العربية .
حقيقة إن الموضوع يأخد أبعادا وتشعبات كثيرة .. فمن يمتلك القدرة على ملاحظة ومتابعة الأحداث يدرك حجم التغيير الحاصل في المجتمع العربي والإسلامي ، ولكن .. ما هو رد فعل التيارات الإسلامية .. وهل حقا عجزت هذه التيارات عن مجابهة هذه الهجمة ، هل امتلكت الجرأة للتصريح بوقوفها أمام هذه الليبرالية المتوحشة وأسلوبها لعلمنة الدولة والمجتمع ؟ هل امتلكت الآليات للمواجهة ؟
سنقف عند إجابات وافية عن هذه التساؤلات في الموضوع القادم .. شاكرا حسن متابعتكم والله ولي التوفيق .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى