الراعي والرعية
صفحة 1 من اصل 1
الراعي والرعية
الأحد : 28/03/1431 هـ الموافق 14/03/2010 م
يتحدثون هذه الأيام عن واقع الأمة العربية من المحيط إلى الخليج .. عن الفقر المدقع والفاقة والجوع .. عن إمساك السماء للغيث ، عن التهام الصحراء للأراضي الزراعية .. عن التلوث البيئي وعن وعن وعن .. والأخطر .. يتحدثون عن تفشي ظاهرة الزنى والاغتصاب وتجارة الجنس وعن العصيان والتمرد والسرقات والنصب والاختلاس والقتل .. أمراض اجتماعية تأكل هذا الجسد المهترئ أكلا .. وفي كل يوم نستمع للجديد المقزز والمقرف والجالب للعار ، وكل يوم تتكشف لنا سوءة هذا الوطن بكل مواطنيه من القادة إلى المتسولين والمشردين ، فمن جهة تشهد القصور والعروش حفلات تنكرية تجمع من كل حدب وصوب أصحاب الجاه والمال ويكون البذخ في قمة العطاء ، ومن جهة أخرى تشهد المناطق الشعبية سرقات تنكرية أيضاً أبطالها جيل من الشباب اللا منتمي واللامبالي وتكون المسروقات في قمة الفداحة والرعب .. تناقض غريب يرسم الملامح الاجتماعية بكل ابعادها .. فهذا هو المجتمع .. مجتمع الفضيلة المنشودة ، وهذا هو مجتمع الإيثار والصدق ، مجتمع القدوة الحسنة .. فالراعي مسؤول عن رعيته ، وسيسأل عن بعير تعثرت على الطريق .. وكم من امرأة تتعثر هذه الأيام بفضل الطرق الرائعة ، وبفضل الاهتمام والاعتناء بالمجتمع المتحضر .
اليوم سأتناول قضية الراعي والرعية .. كيف ان الحاكم في هذه الأيام يهتز عرشه إن رأى فقيرا لم تدخل منزله كسرة خبر ، وكيف أن الحاكم لا يهنأ له بال لطالما كان هناك بيت فيه جوعى تئن من الفقر ، وكيف أن الحكام لا ينامون الليل قلقا وسهرا على راحة مواطنيهم ، وكيف ان الحكام يتجولون طيلة الليل يقرعون الأبواب باحثين عمن يحتاج مساعدة ومن له مساءلة ومن أصابته مصيبة تحتاج حل ، وكيف ان الحكام تضع المسؤولين على محك المساءلة إن كان هناك تقصير .. وكيف ان الحكام لا يقبلون بالتخاذل أو التقاعس أو التقصير ولا الروتين ولا الرشوة ويطبقون الحدود كرادع .. فهم يمثلون أخلاق الانبياء ويهمهم أن يكون الإنسان المسلم في أعلى مراتب الحياة الكريمة ، وكيف انهم يسهرون على إيصال أموال الصدقات بانفسهم لمستحقيها ويتابعون جني الضرائب ..
كان مسرعا على غير عادته .. استوقفه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قائلا .. إلى أين ؟؟ قال عمر بن الخطاب : بعير شردت من إبل الصدقات أطلبه ، فقال علي : لقد أذللت الخلفاء من بعدك يا عمر ، فقال : لا تلومني يا أبا الحسن فوالذي بعث محمداً بالنبوة لو أن شاة صغيرة شردت في الفرات لأُخذ بها عمر يوم القيامة .. فى حرمة لوال ضيع المسلمين .. ( أو كما قال )
هذا هو خليفة المؤمنين .. هذا هو القدوة الذي أركع أكبر الامبراطوريات ( الفرس والروم ) بل وأزاح إمبراطورية فارس للأبد .. فلا تستعجبوا كره الفرس له حتى وهم مسلمون .
وتذكر كتب السيرة أن زوجته كانت مارة في السوق فاشتهت الحلوى فقالت له اشتري لنا من هذه الحلوى ، فقال من أين لي فأنا لا أملك نقودا .. يا الله ، وهو الذي أتته كنوز الدنيا من كل حدب وصوب ..
هذا هو سلوك الصحابة سلوك من جعل القرآن قدوته ومنهجه وأخلاقه ، هذا الي كان يخشى ان يسأل يوم القيامة عن دابة تعثرت في العراق ، لو انه كان أميرنا أو رئيسنا أو خليفتنا في العصر الراهن هل قبل بما يجري في فلسطين والعراق والسودان وكل شبر يطل عليه دم مسلم .. هل كنا لنرى شعبا عربيا ذليلا ؟ هل كنا لنسمع عن أب اغتصب ابنته ، وأم تعلم بنتها الدعارة ، وابن قتل والديه ؟ هل كنا لنرى عبدا موحدا يشكو الفقر والعوز ؟ هل كنا لنسمع بأموال تكدس بالمليارات في البنوك الغربية وهناك من لا يجد قوت يومه ؟ هل كنا لنسمع عن شعب يخون رئيسه أو رئيس يخون شعبه .. هل كنا لنسمع عن أراض عربية أو اسلامية تحتل وتقتطع ..
في عهد عمر رضي الله عنه فتحت العراق ودمشق والقدس ومصر وأذربيجان .. وفي زمانه طرد اليهود من الجزيرة العربية ومنع هدم كنائس النصارى .
وحسبي أن أذكر بعض ما كان يبكي عمر ويظهر رقته وطيبته وروعة حكمته وحكمه ..
في ليلة ظلماء وكعادته كان يتفقد أحوال الرعية فسمع صوت طفل يبكي ، فتقدم وقال يا أمه أسكتيه ,, وأكمل طريقه يتفقد الناس ، وهو عائد سمع الطفل يبكي ، فقال نومي الصبي ، وذهب يشغل نفسه بأمور الرعية ، وتقصد أن يعود ثالثة ليرى ما فعلت ام الطفل ، فوجده يبكي فقال ، ما بك أم سوء انت .. ما به طفلك .. فقالت دعني وشأني فإن عمر بن الخطاب لا يصرف إلا لمن فطمته أمه وأنا أحاول أن أفطمه .. فبكى عمر وكان وقتها المؤذن يؤذن للصلاة ، فذهب والدموع تملأ لحيته ، ووقف يصلي ويبكي .. فلم يفهم المصلين من حوله ما يقول من شدة بكائه ، وبعد أن انتهى من صلاته ، قال : ويلك يا عمر يوم القيامة .. كم يا عمر قتلت من أبناء المسلمين .. وأمر بعدها ألا تسرع النسوة بفطم ابنائهن لأنه سينفق على كل رضيع مولود يولد في الاسلام .
هذا هو الحاكم .. هذا نموذج من أأتمنه على وطني وعرضي ومالي ونفسي .. كان يقدم معونات للمسلمين وينفق على المولودين .. أي أنه كان يشجع زيادة النسل ، ويشجع على تنشئتهم أحسن تنشئة لان بهم يكبر الاسلام ويقوى .. أنظروا إلى أدبيات الحكم والقيادة ..
في ليلة ليلاء رأى نارا تعس فاقترب وقال لأهل الدار أأقترب فجاءه الرد بأن اقترب .. فإذا بامرأة وفي حجرها طفل وبقربها قدر فيها ماء يغلي ، سألها لما يبكي الأطفال ، فقالت والله ما عندي زاد وأتظاهر أني أجهز الطعام لأسكتهم والقدر ما فيه إلا الماء ، والاطفال جوعى .. لو كان أمير المؤمنين يعلم بنا لما كان هذا حالنا ، فقال انتظري إني عائد وأسرع لبيت مال المسلمين يجرى على غير هدى وبدأ يجمع من القمح والشعير ويضعه على كتفه فقال له خادمه أحمل عنك يا أمير المؤمنين فزجره قائلا ومن يحمل عني وزري يوم القيامة تنحى عني أنا أخدمهم بنفسي ، وعاد مسرعا وهو يحمل الزاد على كتفه ، وراح يطبخ للمرأة وينضج لها الطعام بنفسه .. وعندما انتهى قال لها .. غدا اذهبي لبيت أمير المؤمنين لعلك تجدينني هناك .. فنظرت اله قائلة .. والله أنت خير من عمر .. والله لو كان لي الأمر لوليتك على المسلمين .
وأخيرا لابد وأن أذكر التالي .. اجتمع عمر بقومه وسألهم .. يا قوم ان ألهتني الدنيا بزخرفها .. وابتعدت عنكم ما انتم فاعلون ( او كما قال ) وكررها ثلاثا .. وفي الثاله أجابه أحد القوم ..إن ملت برأسك للدنيا هكذا ملنا عليك بسيوفنا هكذا وأشار الرجل بأن نضرب عنقك ، فقال عمر الحمد لله الذي جعل من امة محمد من يقوم عمر .
الله الله يا أمير المؤمنين يا أعدل الناس وأحكم الناس وأطيب الناس وأنبل الناس .. بابي أنت وأمي يا رسول الله ( صلى الله عليك يا علم الهدى ) يا من خلقت للصحبة معنى وانتقيت من الامة رجال أعلام كقمم الجبال .. تهتز الأرض لجلدهم وعدلهم وحكمتهم .
يقول علي بن أبي طالب :( إنّا كنا لنرى إن في القرآن كلاما من كلام عمر ورأياً من رأيعمر )، وقال عبد الله بن عمر مانزل بالناس أمر فقالوا فيه وقال عمر ، إلا نزل القرآن بوفاق قول عمر ) .
وأختم بهذه الحادثة الرائعة ..
كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم جالس بصحبة نسوة من قريش ، يكلمنه ويستكثرنه ، وأصواتهن تعلوا على صوته .. فجاء عمر واستأذن .. فأذن له الرسول الكريم .. فأسرعن النسوة وتحجبن من عمر .. فضحك الرسول ، فبادره الفاروق .. أضحك الله سنك يا رسول الله .. فقال حبيبنا المصطفى صلوات الله عليه وسلامه : عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي ، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب )
فنظر إليهم الفاروق قائلا : : يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقلن نعم ، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إيه يا ابن الخطاب ، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غيرفجك ) .. وحسبي أن حكامنا وقادتنا ما سلكوا فجا إلا وكان الشيطان رفيقهم فيه .. إلا من خشي ربه وجعله نصب عينيه ..
وفي ليلة الأربعاء من عام 23 للهجرة زفته المنية شهيدا للسماء على يد المجوسي أبي لؤلؤة وعندما علم بأن قاتله مجوسي حمد الله تعالى لان قاتله ليس بساجد لله تعالى ودفن في المدينة المنورة في الحجرة النبوية في المسجد النبوي في المدينة بقرب أحبته محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه .
أتمنى من الله أن أكون قد وفقت في حديثي اليوم .. راجيا المولى ان يجمعنا في لقاء جديد .. إلى وقتها استودعكم من لا تضيع ودائعه على امل اللقاء بكم .. ودمتم .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى