تحاشي الغضب
صفحة 1 من اصل 1
رد: تحاشي الغضب
السبت / 27/03/1431 هـ الموافق 13 / 03 / 2010 م
كلما كبرت الهموم وتعاظمت أهوالها .. أخذنا نبحث في محيطنا عن منفس يخفف عنا وطأة هذه الهموم .. ولكن إن لم يجد الانسان مخرجا لتنفيس كربه ماذا يفعل ؟
وقد حدث ابو هريرة رضي الله عنه عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قوله : ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يمتلك نفسه عند الغضب .
كيف تذهب غضبك فتنجو من المهلكة ؟
أحبتي في الله .. الصُرَعة .. بضم الصاد وفتح الراء .. مثلها مثل الهُمَزة ، والصُرَعَة هي الشيء الذي يصرع الرجال أو يقضي عليهم .. والغضب هو مفسدة للرجل لأنه يغير باطنة ويقلب أوصافه وخصاله فينمي خصال الشر بداخله ويثنيه عن أفعال الخير ، بل وتظهر عليه بعض الخصال غير حميدة .. كالحقد والكره وحب الانتقام والسرعة في إطلاق الأحكام .. من هنا كان الرجل الحليم أقرب في حلمه للإيمان .. لأن الغضب من نزعات الشيطان ( فإما ينزعنك من الشيطان نزع فاستعذ بالله ، الآية 36 من سورة فصلت) تُخرج الإنسان من طور الاعتدال وتلبسه ثوب الباطل والقبح والبغض .
ويكون السلوك الرشيد مبنيا على مجموعة مبادئ .. منها ضبطش النفس ، التحلي بالصبر ، كظم الغيظ ، العفو عند المقدرة ، إمساك اللسان من ردات الفعل ..
من هنا سأبدأ بالحديث ..
أمس كنت أصلي صلاة الجمعة في الحرم المكي .. كان الازدحام مهولا .. أمم من كل صوب وحدب جاءت قاصدة وجه الله شعثا غبرا .. لم أجد مكانا قريبا من الحرم فالطائفون يهيمون على وجوههم جيئة وذهابا يغتسلون بدموعهم ويمزقون الأرجاء من حولهم بالدعاء والاستغفار .. وقفت خارج الحرم ومن حولي آلاف مألفة تنتظر فتحة ينسلون منها لداخل الحرم .. فتوجهت إلى أحد الأقبية حيث جلست وأخذت استمع للخطبة .. لم أكن سعيداً .. هذه هي الحقيقة .. لأنني جلست في مكان مليئ بعمال النظافة .. وما ادراك ما عمال النظافة .. وعلى ميمنتي نساء من جنسيات غير عربية وعلى ميسرتي وخلفي عباد الله جاؤوا يؤدون فريضتهم استجابة لنداء الرحمن .
المهم في الأمر .. كنت أقول سأتحمل كل ذلك ريثما تبدأ الخطبة .. فتختفي الأصوات والضجيج ويهدأ الناس .. لكن الأصوات لم تختفي .. بل ما يزيد من الغيظ .. ان هناك من يتجاوزك ويقفز من فوقك ليجلس أمامك دون ان يعتذر أو حتى ينظر إليك .. ومع ذلك كنت أقول في داخلي .. حسبي الله ونعم الوكيل .. محاولا التركيز في الخطبة كي أنسى ما يجري من حولي .. لكن لا فائدة .. فقد توقفت الأدراج المتحركة .. وبدأ الناس يصعدون عليها ويهبطون منها وزاد الضجيج ، والنساء من حولي تتحدثن كأنهن في سوق .. وهنا تذكرت قول الرسول الحبيب محمد أفضل الصلاة وأتم التسليم عليه لما قال له رجل: أوصني يا رسول الله ، قال: لا تغضب ، فكرر مرارا.. أوصني يا رسول الله .. قال: لا تغضب. وفي لفظ: أوصاه ثلاثا .
فكتمت غيظي وركزت مجددا في الخطبة .. لكني لم أكن لأحتمل وخاصة عندما رأيت أحد المخلوقات المسكينة ( صرصور ) يمشي هناك .. وأظن ان أحدا قد أفرغ حقده عليه بان سحقه .. وتركه يتأوه ويتالم ويجر امعائه من خلفه ..
لكن خيبة أملي كانت كبيرة .. فبين أخذ ورد انتهت الخطبة الاولى ولم أفهم منها شيئاً .. لقد مرت سريعا .. وأنا القادم من أقاصي البلاد كي استمع لها .. لاحظت انني في طريقي للتوتر .. حيث انتهت الخطبة الثانية ونادى المنادي للصلاة ، وبين يدي الله شكوته حال أمتنا .. كيف اننا نعيش الحياة بلا نفس ولا مسؤولية .. لا نبالي برداة فعل الناس على سلوكنا .. كأننا لم نستفد من الاسلام إلا كلمة اسلام على الهوية .. حيث تحولت حرياتنا إلى قصاص .. وممن من الناس البسطاء من حولنا ..
انتهت الصلاة ، وارتفعت الأصوات مجددا .. ولكن ما أضحكني من القهر هو اني رأيت على مدخل الباب نساء تصلي بأثواب مبهرجة ( وأظن انهن من إيران ) والحرس ( العسكري ) يصرخ فيهن وقفوا صلاة قوموا من الطريق .. كان الازدحام عند البوابة خانقا .. فالناس تمر وتلقي انظارها لتصطاد مشهدا أو مشهدين وكأنها امام سوق للفرص الضائعة التي لا تتكرر ، ومررت مثلي مثلهم من بين تيك النسوة .. فعلا كان مشهدهن مريعا حتى أن حرس الحرم إشتاط غضبا وراح يركلهم لانهن لا يلقين له بالا .. حقيقة لحظات مروعة وأين في الكعبة الشريفة .. نظر الحراس لبعضهم باستغراب .. كيف وصلت النسوة إلى هنا ، وكيف لم تنته صلاتهن بعد .. والأدهى من ذلك .. هناك رجل اظن أنه دليل لمجموعة من الناس يطلب منهم الاصطفاف لصلاة الظهر في إمامته .. وبلغته ..
حقيقة .. ربما لم استطع ان اتقن الوصف .. لكن كان ذهابي لمكة بهدف العبادة والخشوع .. وشعرت وأنا عائد أني لست راضيا عن صلاتي ولا عبادتي .. فلم يكن هناك خشوع .. وكنت في قمة غضبي وكم تمنيت ألا ألقى أحدا وأنا على هذه الشاكلة كي لا أفرغ جام غضبي فيه .. والحمد لله أظن ان الله استجاب رجائي فلم أر أحدا وقتها ..
أحبتي في الله .. عندما يتحول الفلتان إلى سلوك يومي نكون كأننا في غاب شرعتها شرعة الاقوى .. ونحن من يجب ان نتمثل الرسول ونقتدي بسلوكه .. أقرب من الغلو والمبالغة والرئاء والكذب منه من الصدق والتواضع والشفافية والأخلاق الحميدة .. لما تحولنا ؟ .. ما الذي غير فينا الخصال الإيمانية وزرع مكانها الخصال الشيطانية ؟
هنا يجب ان أقف قليلا لأتحدث عن بعض من القصص الرائعة في الصبر على المكروه .. والحكمة .. ونحن حقيقة مصابون في عصرنا الراهن ببلاء خطير اسمه .. انعدام الوازع الديني ، اسمه تسيد قيم الشر على قيم الخير ، والعدوى تنتقل من جيل إلى جيل .. فمن منا لم يسمع احد يردد عبارة : إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب .. إن لم تكن كلبا عضتك الكلاب ، إن لم تكن خنزيلا لن تستطيع العيش في حظائر الخنازير ..
حقيقة مؤلمة .. ولكن .. كيف يمكن أن نجد حلا لهذه الأزمة .. هل هي ازمة ثقة بالنفس ، هل هي أزمة ضمير .. هل هي أزمة وازع ديني ..
جاء لحجر الكعبة .. وبدأ يتلو من سورة الرحمن ، فسمعته قريش يقرأ من القرآن فانكبوا يضربونه على وجهه ، حتى إذا عاد لصحبته رأوا ما في وجهه فقالوا ألم نحذرك من نتائج ما أقدمت عليه ، فقال : لئن شئتم غاديتهم بمثلها غدا ، فقال صحبه : حسبك .. قد أسمعتهم ما يكرهون .. إنه الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود .. من شهد الهجرتين ، وعندما جاء الرسول برأس أبي جهل ، اعطاه الرسول سيف ابي جهل .. كمكافأة له .
ما الذي جعل عبد الله على هذا الفعل .. يتحمل الضرب على الوجه دون ان يتكلم ويعاني الامرين ويقاسي ويلات الجوع ويصبر ويصبر ويزداد صبرا .. إنه الإيمان .. إنه الوازع الديني الذي نمى في جوفه كشجرة عميقة الجذور باسقة الأفنان ، فكانت الحكمة تنضح من فيه كتفجر النبع من سفوح الجبال .. أليس هو القائل :
خير الغنى غنى النفس وخير الزاد التقوى ، وشر العمى عمى القلب وأعظم الخطايا الكذب وشر المكاسب الربا وشر المأكل مال اليتيم ومن يعف يعف الله عنه ، ومن يغفر يغفر الله له .
أنظروا إلى المعاني السامية .. تجعل من السلوك البشري أرقى وأكثر نضارة .. هؤلاء هم صحابة الرسول محمد اللهم صلي على محمد ، هؤلاء هم قدوتنا وضالتنا نحو النور .. ولنستمع لهذه الرواية التي قالها ابن مسعود .. لربما عرفنا كيف أن الاسلام يرتقي بالمسلمين لأعلى عليين ..
أفقت في جوف الله في غزوة تبوك ، فرأيت عن بعد شعلة مضيئة ، توجهت نحوها .. فرأيت الرسول وأبو بكر وعمر يدفنون ميتا .. والحفرة امامهم قد أنجزت .. نزل الرسول داخل القبر وطلب من ابي بكر وعمر أن يدليا الشهيد عبد الله المزني قائلا : أنزلا لي أخاكما .. فلما استقر في قبره قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - اللهم إني امسيت عنه راضياً فارض عنه .. فقلت وقتها .. يا ليتني كنت صاحب هذه الحفرة ..
لقد تمنى ان يكون الشهيد الذي يرضى عنه الرسول فيظفر برضاه وبشفاعته ورضا الرحمن .. لننظر كيف ان لغة الإيمان تنضح أفئدتهم فتملأها تواضعا وطيبة وتزيدهم إيمانا بالله ورسوله ... ولعل هذا ما جعلهم سادة العالم ودعاة الدين الحنيف .. يكفي أنهم صحابة الرسول ورهطه .
وأخيرا.. قبل وفاته قال لأبنائه وصية أتمنى من كل أب ان يكررها على مسمع أبنائه .. لانها أسمى ما قيل في السلوك البشري .. وخلق القرآن .. إذا قال لولده عبد الرحمن : " إني موصيك بخمس خصال فاحفظهن عني:
1 - أظهر البأس للناس فإن ذلك غنى فاضل
2 - دع مطلب الحاجات من الناس فإن ذلك فقر حاضر
3 - دع ما تعتذر منه من الامور ولا تعمل به .
4 - إن استطعت ألا يأتي عليك يوم إلا وأنت خير منك بالأمس فافعل
5 - إذا صليت صلاة فصل صلاة مودع كأنك لا تصلي صلاة بعدها
هؤلاء هم قادتنا .. هؤلاء هم أهل الجنة التي نرجوا الله في كل صلاة أن يحشرنا وإياهم .. فهل نعي أننا أحفاد الفاتحين ونكبر بذكرهم .. ام نأسى على ما نحن عليه ونموت كميتة البعير لا هدف لنا ولا رجاء يرتجى .. وعزائي على قادتنا .. ألا يقرأون .. هذا تاريخنا ألا يفهمون .. أين المشكلة ؟؟ هل أنهم يقرأون ولا يفهنون .. وإن فهموا ما يقرأون ما الذي يمنعهم من الاقتداء والإئتساء ما الذي يكبلهم ويقيد أفقهم وبصيرتهم ؟
أتمنى ان أكون قد قدمت اليوم ما ينمي في داخلنا بذرة الإيمان .. عسى الله يهدينا أو يكتبنا مع الشاهدين ..
على امل اللقاء بكم في حديث جديد .. استودعكم من لا تضيع ودائعه .. وفي حفظ الله ورعايته .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى