الحضارة
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الحضارة
تعريف الحضارة لغة واصطلاحاً
الحضارة تعني في أصل اللغة الإقامة في الحضر، والحضارة ضد البادية، يقال فلان من أهل الحاضرة، وفلان من أهل البادية. وفي تاج العروس: الحضارة والحضرة هي المدن والقرى والريف، سميت بذلك لأن أهلها حضروا الأمصار ، ومساكن الديار، والتي يكون لهم بها قرار١.
لقد تعددت تعريفات الحضارة وتنوعت تبعاً لذلك دلالات الحضارة بتنوع تعريفاتها، فقد رأى بعض الباحثين أن الحضارة هي مدى ما وصلت إليه أمة من الأمم في نواحي نشاطها الفكري والعقلي من عمران وعلوم وفنون وما إلى ذلك، والترقي بها في مدارج الحياة ومسالكها حتى تصل إلى الغاية٢". وهذا يعني أن الحضارة حسب هذا التعريف تختص بالجانب المادي فقط.
وقد عرفها مجموعة من الألمان هم (راتناو - توماس مان - كسيرلنج) بأنها "المظاهر الفكرية التي تسود أيّ مجتمع٣". وهذا يعني أن الحضارة مرادفة للثقافة ومقتصرة على الجانب الفكري أو المعنوي فقط.
وفي كلا الحالتين نلاحظ أن الحضارة قد قُصرت على جانب واحد فقط، فلم يتم الإحاطة بكلا الجانبين المعنوي والمادي، وهذا يدعونا إلى اختيار تعريف آخر للحضارة يشمل كلا هذين الجانبين، وعليه تكون الحضارة هي الجهد الذي يقدمه مجتمع من المجتمعات لخدمة المجتمع البشري في جميع نواحي حياته المعنوية والمادية.
بناءً على ما سبق نستطيع القول أن الحضارة تتضمن جانباً معنوياً يتمثل في الثقافة التي تعني بالقيم الثابتة والمبادئ الراسخة التي تقوم عليها الحضارة، وجانباً مادياً يتمثل في المدنية التي تعني بالجانب المادي البحت للحضارة، وهي على نوعان مدنية خاصة تتميز بطابع ثقافي خاص، مثل لباس المرأة، ومدنية عامة لا تتميز بطابع ثقافي خاص، مثل الآلات٤.
تعريف الحضارة الاسلامية
بعد أن عرضنا لمعنى الحضارة في اللغة والاصطلاح يمكننا أن نعرف الحضارة الإسلامية بأنها: ما قدمه المجتمع الإسلامي للمجتمع البشري من قيم ومبادئ، في الجوانب الروحية والأخلاقية، فضلاً عما قدمه من منجزات واكتشافات واختراعات في الجوانب التطبيقية والتنظيمية.
مجالات الحضارة الإسلامية
بعد أن اتضح لنا معنى الحضارة في اللغة والاصطلاح، يجدر بنا أن نسلط الضوء على مجالات الحضارة الإسلامية. وبإحصاء صور التقدم والرقي عند الإنسان المسلم يمكننا أن نرجعها إلى المجالات الثلاثة التالية:
المجال الأول: ما يخدم الجسد
المجال الأول : هو ما يخدم الجسد ويمتعه من وسائل العيش، وأسباب الرفاهية والنعيم، ومعطيات اللذة للحس أو النفس.
ويدخل في هذا المجال أنواع التقدم العمراني، والزراعي، والصناعي، والصحي، والأدبي، والفني، والإنتاج الحيواني، والاستفادة من كنوز الأرض والطاقات المنبثة فيها، وما أشبه ذلك٥.
فالسبيل الطبيعي للمجال المادي لصور التقدم والرقي عند الإنسان هو استخدام العقل في البحث العلمي ، والاختبار والتجربة، والممارسة التطبيقية العملية ، مع الملاحظة الدقيقة لجوانب الخطأ والنقص ، وما يستدعيه الكمال٦.
٥٥ - ١٣٥ ٢.٢.٣ المجال الثاني: ما يخدم المجتمع الإنساني
المجال الثاني : هو ما يخدم المجتمع الإنساني، ويكون من الوسائل والأسباب التي تمنحه سعادة التعاون والإخاء، والأمن والطمأنينة والرخاء، وتمنحه سيادة النظام والعدل والحق، وانتشار الخير والفضائل الجماعية. ويدخل في هذا أنواع التقدم الاجتماعي الشامل للنظم الإدارية، والحقوقية، والمادية، والشامل للأخلاق والتقاليد، والعادات الفاضلات، وسائر طرق معاملة الناس بعضهم بعضاً في علاقاتهم المختلفة. وكل أنواع العلوم والثقافات التي تخدم هذا المجال٧.
وسبل تحقيق ما يخدم المجتمع الإنساني تتمثل في سبيلين هما:
التلقي التعليمي عن طريق الوحي، وذلك في كل ما تكلفت به الشرائع الربانية ببيانه، ولا يعدل عن ذلك إلا متنكب.
استخدام العقل في البحث العلمي والتجربة والاختبار، مع الملاحظة الدقيقة لجوانب الخطأ والنقص وما يستدعيه الكمال٨.
٥٦ - ١٣٥ ٣.٢.٣ المجال الثالث: ما يخدم الروح
المجال الثالث هو ما يخدم الجانب الروحي ويأخذ بيد الإنسان إلى تحقيق السعادة الحقيقية في الحياة الدنيوية والبرزخية والأخروية ويدخل في هذا المجال أنواع التقدم الفكري القائم على التأملات الحكمية التي تحمل اسم المعتقدات والواجبات الدينية وسائر التكاليف والآداب الشرعية الإسلامية٩. قال تعالى: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً النحل:٩٧.
والسبيل إلى تحقيق التقدم والرقي في هذا المجال إنما يكون بالتلقي العلمي عن طريق الوحي فقط. وبديهي أن تلقي ما يأتي به الوحي لابد أن يرافقه إعمال العقل في التأمل والفهم الصحيح والتحليل والاستنباط، ولابد أن يصاحبه أيضاً إعمال العقل في التحقق والتثبت من سلامة النصوص من التحريف والتبديل١٠.
وصفوة القول في السبيل إلى تحقيق التقدم والرقي الحضاريين هو:
ما ينزل به الوحي من القرآن والسنة.
ما يتوصل إليه العقل بالبحث العلمي.
ما يكتسبه الإنسان عن طريق الاختبار والممارسة التطبيقية.
بالنظر إلى الثمرات التي يجنيها الإنسان من كل مجال من مجالات التقدم والرقي السابقة لابد أن نلاحظ أن سُلّم الرقي مرتب الدرجات بشكل تصاعدي بدءاً من المجال الذي يخدم الجسد، ثم إلى المجال الذي يخدم المجتمع الإنساني، ثم إلى المجال الذي يخدم الروح. وبذلك يكون سُلّم الرقي الإنساني والحضارة المثلى ذات مراتب ثلاث، أعلاها مرتبة ما يخدم الروح ويأخذ بيد الإنسان إلى السعادة الحقيقية، ومن دونها تأتي مرتبة الرقي الذي يمنح المجتمع الإنساني سعادة التعاون والإخاء، والأمن والرخاء، وسيادة النظام والحق والعدل، ثم تأتي من دونهما مرتبة الرقي المادي الذي يخدم الجسد ويمتعه١١.
٣ خصائص الحضارة الإسلامية
لقد تناولنا فيما سبق مجالات الحضارة الإسلامية الثلاثة، وسبل تحقيقها، وقد آن الأوان لنبين خصائص الحضارة الإسلامية التي تميزها عن غيرها من أنواع الحضارات الأخرى ومن أهم هذه الخصائص ما يلي:
٥٨ - ١٣٥ ١.٣.٣ الحضارة الإسلامية حضارة عقدية
لقد تميزت الحضارة الإسلامية وكان لابد أن تتميز بين حضارات الشرق، وحضارات الغرب، ذلك أنها حضارة تقوم على عقيدة التوحيد التي تُفرِد الله سبحانه بالعبادة والطاعة، وحرصت على تثبيت تلك العقيدة وتأكيدها، وبهذا نفت كل تحريف سابق لتلك الحقيقة الأزلية، قال الله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ١ اللَّهُ الصَّمَدُ ٢ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ٣ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ الإخلاص:١-٤. فأنهت الحضارة الإسلامية بذلك الجدل الدائر حول وحدانية الله تعالى، وناقشت افتراءات اليهود والنصارى، وردَّت عليها؛ في مثل قوله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ٣٠ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ التوبة:٣٠-٣١. وقطع القرآن الطريق بالحجة والمنطق على كل من جعل مع الله إلهًا آخر١٢، قال الله تعالى: أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ ٢١ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ الأنبياء:٢١-٢٢.
.٣.٣ الحضارة الإسلامية حضارة عالمية
عالمية الرسالة الإسلامية تكون بعدم اختصاصها بجنس من الأجناس البشرية، وبعدم انحصار تطبيقها في إقليم خاص أو بيئة معينة، وبامتدادها أزماناً طويلة، تخلد فيها بعد العصر الذي فيه، وبدون ذلك لا يتحقق معنى العالمية في أي دعوة١٣. وتتجلى عالمية رسالة الحضارة الإسلامية من منطلقاتها الأولى التي حددت الهدف من رسالة محمد وحددت مهمات هذه الرسالة.
فهدف رسالة محمد أن يكون رحمة للعالمين، فمن تعليمات هذه الرسالة أن يبلغ الناس جميعاً ويعلمهم على سواء قال تعالى وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ سبأ:٢٨ .
ولما كانت هذه الرسالة ذات هدف عالمي شامل كان الرسول مأموراً بأن يخاطب بها الناس على وجه العموم، دون تعريف بين قوم وقوم، فكل من بلغته دعوته فهو داخل في عموم خطابه، سواء عاصر رسالته أم جاء بعدها ، سواء نطق بلغته أم لم ينطق بها، قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ١٠٨ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاء وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ الأنبياء:١٠٨-١٠٩.
كما أن تعاليم الدين الإسلامي عالمية لأنها تُعِدُّ الإنسان لمستقبل خالد، والاعتقاد بإله واحد، يقود إلى إذابة كل مبدأ عرقي ، أو شعور قومي، ومفهوم عالم ينظر إليه على أنه مجرة من جماعات شتى تلتف حول رسول الله يؤدي إلى احترام سائر الشعوب والتسامح معها١٤. ومن أجل ذلك كانت رسالة الحضارة الإسلامية يشترك في تحقيقها العملي، وبنائها التطبيقي كل من استجاب لها من كل عرق ولون ولغة١٥.
فجدير بكل مسلم أن يفخر بتاج المجد الذي صنعه بُناتها الصادقون من المسلمين في كل بلد من بلاد الإسلام، في سالف العصور الإسلامية التي استجابت للإسلام، وأحسنت تطبيق تعاليمه.
٦٠ - ١٣٥ ٣.٣.٣ الحضارة الإسلامية حضارة إنسانية
لقد قررت تعاليم الدين الإسلامي أن الناس جميعاً سواسية في القيمة الإنسانية المشتركة وأنه لا فضل لإنسان على آخر إلا بكفايته وعمله وخلقه ودينه١٦. ولذا أعلنت أسس الحضارة الإسلامية المتمثلة في الآتي:
أنه لا فرق بين عرق وعرق، ولا لون ولون، ولا بين ناطق بلغة وناطق بأخرى، لمجرد اختلاف الأعراق أو الألوان أو اللغات. قال رسول الله : "يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى، أبلغت ؟ قالوا : بلغ رسول الله ١٧".
وأن الناس كلهم متساوون في أصل الإنسانية، وإن اختلف أفرادهم في الخصائص والهبات الفكرية والنفسية والجسدية، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا النساء:١. وقال رسول الله : "إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي وفاجر شقي أنتم بنو آدم وآدم من تراب ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن١٨".
وإن اختلاف هذه الخصائص والهبات الربانية إنما هو أساس فقط لاختلاف المسؤوليات في الحياة وشرط طبيعي لتوزيع الأعمال١٩، قال تعالى: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ الزخرف:٣٢.
وبهذا عملت الحضارة الإسلامية على نقل المجموعات البشرية من الدوائر الضيقة العنصرية والقومية والطبقية إلى أجواء فسيحة مملوءة بالتآخي، والتراحم والتسامح والتعاون.
٣ الحضارة الإسلامية حضارة صالحة لكل زمان ومكان
لما كانت الحضارة الإسلامية عالمية وإنسانية فإن مقتضى ذلك أن تكون صالحة للتطبيق في كل البيئات الإنسانية، وأن تكون كذلك صالحة على مر الأزمان باعتبارها رسالة السماء الخاتمة لكل الرسالات.
ويمكننا أن نبين مدى هذه الصلاحية إذا نظرنا في الأسس العقائدية والتشريعية والأخلاقية التي جاء بها الإسلام والتي قامت عليها الحضارة الإسلامية ؛ وبهذا تتوافر لنا أدلة موضوعية واضحة الدلالة على صلاحية هذه الحضارة لكل زمان ومكان٢٠. ففي مجال الاعتقاد والتشريع والأخلاق نجد الحقائق التالية:
أن الله سبحانه واحد لا شريك له ولا معبود سواه، قال تعالى: ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ الأنعام:١٠٢.
أن الله خالق هذا الكون ومبدعه على هذا النحو المعجز من حيث الدقة والنظام والتوازن والعلاقات وخلق الإنسان، قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ الأنعام:٧٣.
أن الله سبحانه وتعالى سخر هذا الكون بما فيه للإنسان، وزود هذا الإنسان بالطاقات النفسية والعقلية والجسدية لاستغلال ما فيه من خبرات، قال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ النحل:١٢.
أن الإسلام قد سن من التشريعات والقوانين ما يناسب فطرة الإنسان، وما تستقيم به حياته، وجاءت تشريعاته قاطعة مفصلة في المجالات التي يعجز العقل البشري عن الاجتهاد النافع فيها.
أن الحضارة الإسلامية حضارة أخلاقية، للقيم الفاضلة فيها المقام الأول، والنشاط الإنساني فيها محكوم بهذه القيم، قال تعالى يمدح نبيه عليه السلام: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ القلم:٤. قال النبي : "ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق٢١". أن الإسلام قد ترك للعقل الإنساني حرية الإبداع والابتكار في مجال استغلال خيرات هذا الكون، مع وضع ضوابط إنسانية تحكم هذا السلوك من الانحرافات المنافية للفطرة الإنسانية٢٢، قال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ الجاثية:١٣.
٦٢ - ١٣٥ ٥.٣.٣ الحضارة الإسلامية حضارة متطورة
لما كانت رسالة الإسلام هي خاتمة الرسالات السماوية، وكان الرسول عليه السلام خاتم الرسل، فإن من الضروري أن تكون الحضارة القائمة على هذه الرسالة حضارة متطورة، تستطيع أن تسع كل تطورات الحياة الإنسانية؛ بحيث تواجه ما يجدّ في حياة البشر من تطورات في شتى المجالات، ولا تقف جامدة أمام متغيرات الحياة البشرية في واقعها الفردي والاجتماعي، ولذلك أقامت أساس تشريعاتها، وقوانينها، وآدابها على أصلين ثابتين هما: الكتاب والسنة، فترى المبادئ والأصول الكلية جميعها تعود إليهما، وقد دعا الله تعالى المسلمين إلى تدبر القرآن قال تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ القمر:١٧. ومن ثَمّ فإن علماء المسلمين في استجابتهم لدعوة الله قاموا بوضع الكثير من قواعد التشريع وأصوله؛ ليواجهوا ما يجدّ في حياة الناس من وقائع وقضايا مما لم يرد فيه نص قاطع من الكتاب أو السنة، وكذلك اجتهد المسلمون في مواجهة متغيرات الحياة اجتهاداً واسعاً؛ استجابة لدعوة الخالق لهم لإعمال العقل والنظر في الكون من حولهم٢٣. وقد أقرّ النبي بعض أصحابه على اجتهادهم في بعض شؤون الحياة. فعن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ بن جبل: أن رسول الله لما أراد أن يبعث معاذاً إلى اليمن قال: "كيف تقضي إذا عرض لك قضاء". قال: أقضي بكتاب الله قال: "فإن لم تجد في كتاب الله". قال: فبسنة رسول الله . قال: "فإن لم تجد في سنة رسول الله ولا في كتاب الله". قال: أجتهد رأيي ولا آلو. فضرب رسول الله صدره وقال: "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله٢٤". وفي غزوة بدر أشار أحد أصحابه - رضوان الله عليهم - أن يغير الرسول موقع جيش المسلمين فوافق الرسول وأنفذ تلك المشورة. وعلى هدي الرسول سار أصحابه من بعده، وتبعهم علماء المسلمين، فلم تصادفهم واقعة، ولم تجدّ أمامهم حادثة إلاّ وكان لهم فيها رأي واجتهاد وحلّ؛ فخلفوا لنا تلك الثروة الكبيرة من العلوم والفنون٢٥.
٦٣ - ١٣٥ ٦.٣.٣ الحضارة الإسلامية حضارة علم
لقد اهتم الإسلام اهتماماً كبيراً بالعلم، وأن أولى آيات القرآن تحث على التعليم قال تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ العلق:١. وبين القرآن فضل العلماء، فقال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ المجادلة:١١. وقال رسول الله مبيِّنًا فضل السعي في طلب العلم: "من سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا؛ سهل الله له به طريقًا إلى الجنة٢٦"، وقال أيضاً: "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما طلب٢٧". وفرق الإسلام بين أمة تقدمت علميًّا، وأمة لم تأخذ نصيبها من العلم، فقال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ الزمر:٩. والعلم يمثل مقوماً هاماًّ من مقومات البناء الحضاري لأي مجتمع من المجتمعات، لما يترتب عليه مفاهيمه وتطبيقاته من آثار واضحة على مسيرة الإنسان الحضارية٢٨.
وإذا كانت الحضارة بنت العلم، والعلم هدف يسعى المسلم إليه من واقع كتابه الذي آمن به، وتعاليم رسوله الذي اهتدى به، فليس ثمة شك في أن العلم يدفع إلى الإبداع والتفكير، وكل من الإبداع والتفكير ينبت حضارة وينشئ معرفة٢٩.
٧.٣.٣ الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين المادة والروح
لقد خلق الله - سبحانه وتعالى - الإنسان من مادة وروح ، وأَمدَّهُ بكل أسباب الحياة في جانبيها المادي والروحي، فهيأ للجسم البيئة الصالحة التي يعيش فيها على وجه الأرض، وهيأ سبحانه للجانب الروحي غذاءه من الوحي الذي نزل إلى الإنسان عل يد الرسل، فالإنسان في مفهوم الحضارة الإسلامية هو ذلك الكائن المادي والروحي ، وأن حياته الصالحة المستقيمة هي تلك التي يُرَاعَى فيها هذا الجانب وذلك، ويظهر جلياً في تعاليم الإسلام وتشريعاته، فإلى جانب الدعوة إلى الإيمان والحرص على العبادة، نجد الدعوة إلى الأخذ بالأسباب المادية للحياة قال تعالى: الم ١ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ٢ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ٣ والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ٤ أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ البقرة:١-٥. وقوله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ الملك:١٥. وقال الرسول : "يا عثمان أرغبت عن سنتي قال لا والله يا رسول الله ولكن سنتك أطلب قال: فإني أنام وأصلي وأصوم وأفطر وأنكح النساء فاتق الله يا عثمان فإن لأهلك عليك حقا وإن لضيفك عليك حقا وإن لنفسك عليك حقا فصم وأفطر وصل ونم٣٠".
وعلى هذا الأساس أقام المسلمون صرح الحضارة الإسلامية بمعطياتها الروحية والمادية، وحققت للإنسانية أقصى درجات طموحها في تلك العصور التي كان فيها العالم من حولها يعيش خواءً روحياً وأخلاقياً ، وتخلفاً واضحاً في صناعة الحياة. فكل نشاط مادي في ظل الحضارة الإسلامية له غاية أخلاقية، وفيه جانب روحي٣١ قال "ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلاَّ كان له به صدقة٣٢".
الحضارة الإسلامية حضارة الأمانة
تميزت الحضارة الإسلامية عن غيرها من أنواع الحضارات بأنها حضارة أمانة مطلقة، فعندما قام علماء المسلمين بترجمة ونقل الكثير من علوم اليونان والفرس والهنود وغيرهم، فإنهم لم ينسبوا ما نقلوا لأنفسهم، وإنما إلى أصحابه الذين نقلوا عنهم، فهم يقولون أن هذا الأمر عند حالينوس كذا، وإن أرسطو قال كذا، عملاً بقوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا النساء:٥٨. عن أبي هريرة عن النبي قال : "آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان٣٣".
وهنا يبدو الفرق واضحاً بين رواج الحضارة الإسلامية من ناحية، وعلماء اليونان الذين نقلوا كثيراً عن غيرهم ونسبوه إلى أنفسهم من ناحية أخرى، وقد أثبتت الأبحاث الحديثة أن اليونانيين استقوا كثيراً من علومهم من قدماء المصريين ، ولم يشر اليونانيون لمصادر معلوماتهم ، وأثبتوها على أنها من اكتشافهم، وحتى الكثير من علماء أوروبا عندما أخذوا الحضارة الإسلامية فقد نسبوا كثيراً من الاكتشافات لأنفسهم، غير أن المخلصين منهم أثبتوا هذا الحق لعلماء المسلمين٣٤.
الحضارة الإسلامية حضارة العدل
ألزمت أسس الحضارة الإسلامية قادة المسلمين ، وقضاتهم ، وحكامهم بمراعاة العدل في المعاملة بين المسلمين، دون تمييز بين عناصرهم ، وفئاتهم ، وقومياتهم ، وطبقاتهم ؛ فالمسلمون كلهم سواء أمام الحق، وبين يدي القضاء، وإيجاد فرص العمل المتكافئة للجميع، وفي اقتباس العلم والمعرفة، فالتفاضل الذي تدعو إليه الحياة يقوم على التمايز بين الأفراد بخصائصهم الفردية الفطرية والمكتسبة٣٥. وشواهد مراعاة العدل بين الناس في نصوص الشريعة الإسلامية كثيرة جدّاً ؛ لنأت منها بالكليات الكبرى:
العدل في مجال حق الحياة :
لقد قرر الإسلام أن نفس المسلم مكافئة لنفس المسلم في حق الحياة، مهما كانت الفوارق الشخصية قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ٩٢ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا النساء:٩٢-٩٣.
وقال النبي : " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة ٣٦"، فهل في الحضارات الإنسانية الراقية سمو مثل هذا السمو الذي يقرر الإسلام ، وعدل مثل هذا العدل الذي يهدف إلى صيانة حياة الناس !
هذه هي الحضارة الإسلامية، بينما نجد في حضارات أخرى تفخر برقيها المادي المدهش ، تميزات عنصرية منتنة، تهدر فيها حياة الأبرياء ، ولا جريمة لهم إلا ألوانهم السوداء ، أو أنهم من أعراق أخرى، أو من أحزاب ومذاهب مخالفة٣٧.
العدل في مجال الحكم :
لقد قرر الإسلام وجوب العمل بالعدل في الحكم ، والقضاء ، وفي أداء الشهادات دون تمييز أو محاباة قال تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا النساء:٥٨. قال رسول الله : "أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فاختطب، فقال: أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها٣٨".
العدل في المعاملات الأدبية:
وفي مجال تبادل المسلمين مظاهر الإخاء الإيماني ، والبعد عن كل مظهر من مظاهر تعالي بعضهم على بعض يأمر الله تعالى أن يكرم المسلم أخاه المسلم ؛ فيرد تحيته بأحسن منها، أو بمثلها مهما كانت الفوارق بينهما، وينهى عن السخرية ، واللمز والتنابز بالألقاب ، قال تعالى: وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا النساء:٨٦ وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ الحجرات:١١.
قال رسول الله : "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة٣٩"، وقال رسول الله : "لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخوانا٤٠".
وبهذا نلاحظ مبلغ الرقي العظيم الذي تتصف به أسس الحضارة الإسلامية في بنائها الفكري الجيد٤١.
٣ منجزات الحضارة الإسلامية
لقد بينا فيما سبق خصائص الحضارة الإسلامية ، والآن ننتقل بك إلى بيان منجزات الحضارة الإسلامية في شتى مجالات العلوم الطبيعية.
لقد اعتنى المسلمون بالعلوم الطبيعية؛ حيث قاموا بترجمة المؤلفات اليونانية، ولكنهم لم يكتفوا بنقلها، بل توسعوا فيها، وأضافوا إليها إضافات هامة ؛ تعتبر أساس البحث العلمي الحديث، وقد قويت عندهم الملاحظة، وحب التجربة والاختبار، وفيما يلي نتحدث عن أهم المنجزات العلمية في الحضارة الإسلامية:
الخلاصة
الحضارة تعني في أصل اللغة الإقامة في الحضر، والحضارة ضد البادية.
الحضارة في الاصطلاح هي الجهد الذي يقدمه مجتمع من المجتمعات لخدمة المجتمع البشري في جميع نواحي حياته المعنوية والمادية.
الحضارة الإسلامية هي ما قدمه المجتمع الإسلامي للمجتمع البشري من قيم ومبادئ، في الجوانب الروحية والأخلاقية، فضلاً عما قدمه من منجزات واكتشافات واختراعات في الجوانب التطبيقية والتنظيمية.
مجالات الحضارة الإسلامية ثلاثة، هي: المجال الأول وهو ما يخدم الجسد ويمتعه من وسائل العيش، وأسباب الرفاهية والنعيم، ومعطيات اللذة للحس أو النفس. والمجال الثاني وهو ما يخدم المجتمع الإنساني، ويكون من الوسائل والأسباب التي تمنحه سعادة التعاون والإخاء، والأمن والطمأنينة والرخاء، وتمنحه سيادة النظام والعدل والحق. والمجال الثالث وهو ما يخدم الجانب الروحي ويأخذ بيد الإنسان إلى تحقيق السعادة الحقيقية في الحياة الدنيوية والبرزخية والأخروية.
تمتاز الحضارة الإسلامية ببعض الخصائص من أهمها: أنها حضارة عقيدة، وحضارة عالمية، وإنسانية، وصالحة لكل زمان ومكان، ومتطورة، وتؤمن بالعلم، كما أنها تمزج بين المادة الروح، وهي حضارة أمانة مطلقة، وحضارة تتصف بالعدل.
حققت الحضارة الإسلامية منجزات رائعة في مجالات الطب، والصيدلة، والكيمياء، والعلوم الرياضية، والفلك، والجغرافيا، والخرائط، والأحياء، والفيزياء.
تركت الحضارة الإسلامية آثاراً واضحة في بناء الحضارة الغربية المعاصرة وتطورها، وذلك في ميدان العقيدة والدين، وميدان التشريع، وميدان العلوم التطبيقية، وميدان اللغة والأدب.
الحضارة تعني في أصل اللغة الإقامة في الحضر، والحضارة ضد البادية، يقال فلان من أهل الحاضرة، وفلان من أهل البادية. وفي تاج العروس: الحضارة والحضرة هي المدن والقرى والريف، سميت بذلك لأن أهلها حضروا الأمصار ، ومساكن الديار، والتي يكون لهم بها قرار١.
لقد تعددت تعريفات الحضارة وتنوعت تبعاً لذلك دلالات الحضارة بتنوع تعريفاتها، فقد رأى بعض الباحثين أن الحضارة هي مدى ما وصلت إليه أمة من الأمم في نواحي نشاطها الفكري والعقلي من عمران وعلوم وفنون وما إلى ذلك، والترقي بها في مدارج الحياة ومسالكها حتى تصل إلى الغاية٢". وهذا يعني أن الحضارة حسب هذا التعريف تختص بالجانب المادي فقط.
وقد عرفها مجموعة من الألمان هم (راتناو - توماس مان - كسيرلنج) بأنها "المظاهر الفكرية التي تسود أيّ مجتمع٣". وهذا يعني أن الحضارة مرادفة للثقافة ومقتصرة على الجانب الفكري أو المعنوي فقط.
وفي كلا الحالتين نلاحظ أن الحضارة قد قُصرت على جانب واحد فقط، فلم يتم الإحاطة بكلا الجانبين المعنوي والمادي، وهذا يدعونا إلى اختيار تعريف آخر للحضارة يشمل كلا هذين الجانبين، وعليه تكون الحضارة هي الجهد الذي يقدمه مجتمع من المجتمعات لخدمة المجتمع البشري في جميع نواحي حياته المعنوية والمادية.
بناءً على ما سبق نستطيع القول أن الحضارة تتضمن جانباً معنوياً يتمثل في الثقافة التي تعني بالقيم الثابتة والمبادئ الراسخة التي تقوم عليها الحضارة، وجانباً مادياً يتمثل في المدنية التي تعني بالجانب المادي البحت للحضارة، وهي على نوعان مدنية خاصة تتميز بطابع ثقافي خاص، مثل لباس المرأة، ومدنية عامة لا تتميز بطابع ثقافي خاص، مثل الآلات٤.
تعريف الحضارة الاسلامية
بعد أن عرضنا لمعنى الحضارة في اللغة والاصطلاح يمكننا أن نعرف الحضارة الإسلامية بأنها: ما قدمه المجتمع الإسلامي للمجتمع البشري من قيم ومبادئ، في الجوانب الروحية والأخلاقية، فضلاً عما قدمه من منجزات واكتشافات واختراعات في الجوانب التطبيقية والتنظيمية.
مجالات الحضارة الإسلامية
بعد أن اتضح لنا معنى الحضارة في اللغة والاصطلاح، يجدر بنا أن نسلط الضوء على مجالات الحضارة الإسلامية. وبإحصاء صور التقدم والرقي عند الإنسان المسلم يمكننا أن نرجعها إلى المجالات الثلاثة التالية:
المجال الأول: ما يخدم الجسد
المجال الأول : هو ما يخدم الجسد ويمتعه من وسائل العيش، وأسباب الرفاهية والنعيم، ومعطيات اللذة للحس أو النفس.
ويدخل في هذا المجال أنواع التقدم العمراني، والزراعي، والصناعي، والصحي، والأدبي، والفني، والإنتاج الحيواني، والاستفادة من كنوز الأرض والطاقات المنبثة فيها، وما أشبه ذلك٥.
فالسبيل الطبيعي للمجال المادي لصور التقدم والرقي عند الإنسان هو استخدام العقل في البحث العلمي ، والاختبار والتجربة، والممارسة التطبيقية العملية ، مع الملاحظة الدقيقة لجوانب الخطأ والنقص ، وما يستدعيه الكمال٦.
٥٥ - ١٣٥ ٢.٢.٣ المجال الثاني: ما يخدم المجتمع الإنساني
المجال الثاني : هو ما يخدم المجتمع الإنساني، ويكون من الوسائل والأسباب التي تمنحه سعادة التعاون والإخاء، والأمن والطمأنينة والرخاء، وتمنحه سيادة النظام والعدل والحق، وانتشار الخير والفضائل الجماعية. ويدخل في هذا أنواع التقدم الاجتماعي الشامل للنظم الإدارية، والحقوقية، والمادية، والشامل للأخلاق والتقاليد، والعادات الفاضلات، وسائر طرق معاملة الناس بعضهم بعضاً في علاقاتهم المختلفة. وكل أنواع العلوم والثقافات التي تخدم هذا المجال٧.
وسبل تحقيق ما يخدم المجتمع الإنساني تتمثل في سبيلين هما:
التلقي التعليمي عن طريق الوحي، وذلك في كل ما تكلفت به الشرائع الربانية ببيانه، ولا يعدل عن ذلك إلا متنكب.
استخدام العقل في البحث العلمي والتجربة والاختبار، مع الملاحظة الدقيقة لجوانب الخطأ والنقص وما يستدعيه الكمال٨.
٥٦ - ١٣٥ ٣.٢.٣ المجال الثالث: ما يخدم الروح
المجال الثالث هو ما يخدم الجانب الروحي ويأخذ بيد الإنسان إلى تحقيق السعادة الحقيقية في الحياة الدنيوية والبرزخية والأخروية ويدخل في هذا المجال أنواع التقدم الفكري القائم على التأملات الحكمية التي تحمل اسم المعتقدات والواجبات الدينية وسائر التكاليف والآداب الشرعية الإسلامية٩. قال تعالى: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً النحل:٩٧.
والسبيل إلى تحقيق التقدم والرقي في هذا المجال إنما يكون بالتلقي العلمي عن طريق الوحي فقط. وبديهي أن تلقي ما يأتي به الوحي لابد أن يرافقه إعمال العقل في التأمل والفهم الصحيح والتحليل والاستنباط، ولابد أن يصاحبه أيضاً إعمال العقل في التحقق والتثبت من سلامة النصوص من التحريف والتبديل١٠.
وصفوة القول في السبيل إلى تحقيق التقدم والرقي الحضاريين هو:
ما ينزل به الوحي من القرآن والسنة.
ما يتوصل إليه العقل بالبحث العلمي.
ما يكتسبه الإنسان عن طريق الاختبار والممارسة التطبيقية.
بالنظر إلى الثمرات التي يجنيها الإنسان من كل مجال من مجالات التقدم والرقي السابقة لابد أن نلاحظ أن سُلّم الرقي مرتب الدرجات بشكل تصاعدي بدءاً من المجال الذي يخدم الجسد، ثم إلى المجال الذي يخدم المجتمع الإنساني، ثم إلى المجال الذي يخدم الروح. وبذلك يكون سُلّم الرقي الإنساني والحضارة المثلى ذات مراتب ثلاث، أعلاها مرتبة ما يخدم الروح ويأخذ بيد الإنسان إلى السعادة الحقيقية، ومن دونها تأتي مرتبة الرقي الذي يمنح المجتمع الإنساني سعادة التعاون والإخاء، والأمن والرخاء، وسيادة النظام والحق والعدل، ثم تأتي من دونهما مرتبة الرقي المادي الذي يخدم الجسد ويمتعه١١.
٣ خصائص الحضارة الإسلامية
لقد تناولنا فيما سبق مجالات الحضارة الإسلامية الثلاثة، وسبل تحقيقها، وقد آن الأوان لنبين خصائص الحضارة الإسلامية التي تميزها عن غيرها من أنواع الحضارات الأخرى ومن أهم هذه الخصائص ما يلي:
٥٨ - ١٣٥ ١.٣.٣ الحضارة الإسلامية حضارة عقدية
لقد تميزت الحضارة الإسلامية وكان لابد أن تتميز بين حضارات الشرق، وحضارات الغرب، ذلك أنها حضارة تقوم على عقيدة التوحيد التي تُفرِد الله سبحانه بالعبادة والطاعة، وحرصت على تثبيت تلك العقيدة وتأكيدها، وبهذا نفت كل تحريف سابق لتلك الحقيقة الأزلية، قال الله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ١ اللَّهُ الصَّمَدُ ٢ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ٣ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ الإخلاص:١-٤. فأنهت الحضارة الإسلامية بذلك الجدل الدائر حول وحدانية الله تعالى، وناقشت افتراءات اليهود والنصارى، وردَّت عليها؛ في مثل قوله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ٣٠ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ التوبة:٣٠-٣١. وقطع القرآن الطريق بالحجة والمنطق على كل من جعل مع الله إلهًا آخر١٢، قال الله تعالى: أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ ٢١ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ الأنبياء:٢١-٢٢.
.٣.٣ الحضارة الإسلامية حضارة عالمية
عالمية الرسالة الإسلامية تكون بعدم اختصاصها بجنس من الأجناس البشرية، وبعدم انحصار تطبيقها في إقليم خاص أو بيئة معينة، وبامتدادها أزماناً طويلة، تخلد فيها بعد العصر الذي فيه، وبدون ذلك لا يتحقق معنى العالمية في أي دعوة١٣. وتتجلى عالمية رسالة الحضارة الإسلامية من منطلقاتها الأولى التي حددت الهدف من رسالة محمد وحددت مهمات هذه الرسالة.
فهدف رسالة محمد أن يكون رحمة للعالمين، فمن تعليمات هذه الرسالة أن يبلغ الناس جميعاً ويعلمهم على سواء قال تعالى وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ سبأ:٢٨ .
ولما كانت هذه الرسالة ذات هدف عالمي شامل كان الرسول مأموراً بأن يخاطب بها الناس على وجه العموم، دون تعريف بين قوم وقوم، فكل من بلغته دعوته فهو داخل في عموم خطابه، سواء عاصر رسالته أم جاء بعدها ، سواء نطق بلغته أم لم ينطق بها، قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ١٠٨ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاء وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ الأنبياء:١٠٨-١٠٩.
كما أن تعاليم الدين الإسلامي عالمية لأنها تُعِدُّ الإنسان لمستقبل خالد، والاعتقاد بإله واحد، يقود إلى إذابة كل مبدأ عرقي ، أو شعور قومي، ومفهوم عالم ينظر إليه على أنه مجرة من جماعات شتى تلتف حول رسول الله يؤدي إلى احترام سائر الشعوب والتسامح معها١٤. ومن أجل ذلك كانت رسالة الحضارة الإسلامية يشترك في تحقيقها العملي، وبنائها التطبيقي كل من استجاب لها من كل عرق ولون ولغة١٥.
فجدير بكل مسلم أن يفخر بتاج المجد الذي صنعه بُناتها الصادقون من المسلمين في كل بلد من بلاد الإسلام، في سالف العصور الإسلامية التي استجابت للإسلام، وأحسنت تطبيق تعاليمه.
٦٠ - ١٣٥ ٣.٣.٣ الحضارة الإسلامية حضارة إنسانية
لقد قررت تعاليم الدين الإسلامي أن الناس جميعاً سواسية في القيمة الإنسانية المشتركة وأنه لا فضل لإنسان على آخر إلا بكفايته وعمله وخلقه ودينه١٦. ولذا أعلنت أسس الحضارة الإسلامية المتمثلة في الآتي:
أنه لا فرق بين عرق وعرق، ولا لون ولون، ولا بين ناطق بلغة وناطق بأخرى، لمجرد اختلاف الأعراق أو الألوان أو اللغات. قال رسول الله : "يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى، أبلغت ؟ قالوا : بلغ رسول الله ١٧".
وأن الناس كلهم متساوون في أصل الإنسانية، وإن اختلف أفرادهم في الخصائص والهبات الفكرية والنفسية والجسدية، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا النساء:١. وقال رسول الله : "إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي وفاجر شقي أنتم بنو آدم وآدم من تراب ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن١٨".
وإن اختلاف هذه الخصائص والهبات الربانية إنما هو أساس فقط لاختلاف المسؤوليات في الحياة وشرط طبيعي لتوزيع الأعمال١٩، قال تعالى: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ الزخرف:٣٢.
وبهذا عملت الحضارة الإسلامية على نقل المجموعات البشرية من الدوائر الضيقة العنصرية والقومية والطبقية إلى أجواء فسيحة مملوءة بالتآخي، والتراحم والتسامح والتعاون.
٣ الحضارة الإسلامية حضارة صالحة لكل زمان ومكان
لما كانت الحضارة الإسلامية عالمية وإنسانية فإن مقتضى ذلك أن تكون صالحة للتطبيق في كل البيئات الإنسانية، وأن تكون كذلك صالحة على مر الأزمان باعتبارها رسالة السماء الخاتمة لكل الرسالات.
ويمكننا أن نبين مدى هذه الصلاحية إذا نظرنا في الأسس العقائدية والتشريعية والأخلاقية التي جاء بها الإسلام والتي قامت عليها الحضارة الإسلامية ؛ وبهذا تتوافر لنا أدلة موضوعية واضحة الدلالة على صلاحية هذه الحضارة لكل زمان ومكان٢٠. ففي مجال الاعتقاد والتشريع والأخلاق نجد الحقائق التالية:
أن الله سبحانه واحد لا شريك له ولا معبود سواه، قال تعالى: ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ الأنعام:١٠٢.
أن الله خالق هذا الكون ومبدعه على هذا النحو المعجز من حيث الدقة والنظام والتوازن والعلاقات وخلق الإنسان، قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ الأنعام:٧٣.
أن الله سبحانه وتعالى سخر هذا الكون بما فيه للإنسان، وزود هذا الإنسان بالطاقات النفسية والعقلية والجسدية لاستغلال ما فيه من خبرات، قال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ النحل:١٢.
أن الإسلام قد سن من التشريعات والقوانين ما يناسب فطرة الإنسان، وما تستقيم به حياته، وجاءت تشريعاته قاطعة مفصلة في المجالات التي يعجز العقل البشري عن الاجتهاد النافع فيها.
أن الحضارة الإسلامية حضارة أخلاقية، للقيم الفاضلة فيها المقام الأول، والنشاط الإنساني فيها محكوم بهذه القيم، قال تعالى يمدح نبيه عليه السلام: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ القلم:٤. قال النبي : "ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق٢١". أن الإسلام قد ترك للعقل الإنساني حرية الإبداع والابتكار في مجال استغلال خيرات هذا الكون، مع وضع ضوابط إنسانية تحكم هذا السلوك من الانحرافات المنافية للفطرة الإنسانية٢٢، قال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ الجاثية:١٣.
٦٢ - ١٣٥ ٥.٣.٣ الحضارة الإسلامية حضارة متطورة
لما كانت رسالة الإسلام هي خاتمة الرسالات السماوية، وكان الرسول عليه السلام خاتم الرسل، فإن من الضروري أن تكون الحضارة القائمة على هذه الرسالة حضارة متطورة، تستطيع أن تسع كل تطورات الحياة الإنسانية؛ بحيث تواجه ما يجدّ في حياة البشر من تطورات في شتى المجالات، ولا تقف جامدة أمام متغيرات الحياة البشرية في واقعها الفردي والاجتماعي، ولذلك أقامت أساس تشريعاتها، وقوانينها، وآدابها على أصلين ثابتين هما: الكتاب والسنة، فترى المبادئ والأصول الكلية جميعها تعود إليهما، وقد دعا الله تعالى المسلمين إلى تدبر القرآن قال تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ القمر:١٧. ومن ثَمّ فإن علماء المسلمين في استجابتهم لدعوة الله قاموا بوضع الكثير من قواعد التشريع وأصوله؛ ليواجهوا ما يجدّ في حياة الناس من وقائع وقضايا مما لم يرد فيه نص قاطع من الكتاب أو السنة، وكذلك اجتهد المسلمون في مواجهة متغيرات الحياة اجتهاداً واسعاً؛ استجابة لدعوة الخالق لهم لإعمال العقل والنظر في الكون من حولهم٢٣. وقد أقرّ النبي بعض أصحابه على اجتهادهم في بعض شؤون الحياة. فعن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ بن جبل: أن رسول الله لما أراد أن يبعث معاذاً إلى اليمن قال: "كيف تقضي إذا عرض لك قضاء". قال: أقضي بكتاب الله قال: "فإن لم تجد في كتاب الله". قال: فبسنة رسول الله . قال: "فإن لم تجد في سنة رسول الله ولا في كتاب الله". قال: أجتهد رأيي ولا آلو. فضرب رسول الله صدره وقال: "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله٢٤". وفي غزوة بدر أشار أحد أصحابه - رضوان الله عليهم - أن يغير الرسول موقع جيش المسلمين فوافق الرسول وأنفذ تلك المشورة. وعلى هدي الرسول سار أصحابه من بعده، وتبعهم علماء المسلمين، فلم تصادفهم واقعة، ولم تجدّ أمامهم حادثة إلاّ وكان لهم فيها رأي واجتهاد وحلّ؛ فخلفوا لنا تلك الثروة الكبيرة من العلوم والفنون٢٥.
٦٣ - ١٣٥ ٦.٣.٣ الحضارة الإسلامية حضارة علم
لقد اهتم الإسلام اهتماماً كبيراً بالعلم، وأن أولى آيات القرآن تحث على التعليم قال تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ العلق:١. وبين القرآن فضل العلماء، فقال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ المجادلة:١١. وقال رسول الله مبيِّنًا فضل السعي في طلب العلم: "من سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا؛ سهل الله له به طريقًا إلى الجنة٢٦"، وقال أيضاً: "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما طلب٢٧". وفرق الإسلام بين أمة تقدمت علميًّا، وأمة لم تأخذ نصيبها من العلم، فقال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ الزمر:٩. والعلم يمثل مقوماً هاماًّ من مقومات البناء الحضاري لأي مجتمع من المجتمعات، لما يترتب عليه مفاهيمه وتطبيقاته من آثار واضحة على مسيرة الإنسان الحضارية٢٨.
وإذا كانت الحضارة بنت العلم، والعلم هدف يسعى المسلم إليه من واقع كتابه الذي آمن به، وتعاليم رسوله الذي اهتدى به، فليس ثمة شك في أن العلم يدفع إلى الإبداع والتفكير، وكل من الإبداع والتفكير ينبت حضارة وينشئ معرفة٢٩.
٧.٣.٣ الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين المادة والروح
لقد خلق الله - سبحانه وتعالى - الإنسان من مادة وروح ، وأَمدَّهُ بكل أسباب الحياة في جانبيها المادي والروحي، فهيأ للجسم البيئة الصالحة التي يعيش فيها على وجه الأرض، وهيأ سبحانه للجانب الروحي غذاءه من الوحي الذي نزل إلى الإنسان عل يد الرسل، فالإنسان في مفهوم الحضارة الإسلامية هو ذلك الكائن المادي والروحي ، وأن حياته الصالحة المستقيمة هي تلك التي يُرَاعَى فيها هذا الجانب وذلك، ويظهر جلياً في تعاليم الإسلام وتشريعاته، فإلى جانب الدعوة إلى الإيمان والحرص على العبادة، نجد الدعوة إلى الأخذ بالأسباب المادية للحياة قال تعالى: الم ١ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ٢ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ٣ والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ٤ أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ البقرة:١-٥. وقوله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ الملك:١٥. وقال الرسول : "يا عثمان أرغبت عن سنتي قال لا والله يا رسول الله ولكن سنتك أطلب قال: فإني أنام وأصلي وأصوم وأفطر وأنكح النساء فاتق الله يا عثمان فإن لأهلك عليك حقا وإن لضيفك عليك حقا وإن لنفسك عليك حقا فصم وأفطر وصل ونم٣٠".
وعلى هذا الأساس أقام المسلمون صرح الحضارة الإسلامية بمعطياتها الروحية والمادية، وحققت للإنسانية أقصى درجات طموحها في تلك العصور التي كان فيها العالم من حولها يعيش خواءً روحياً وأخلاقياً ، وتخلفاً واضحاً في صناعة الحياة. فكل نشاط مادي في ظل الحضارة الإسلامية له غاية أخلاقية، وفيه جانب روحي٣١ قال "ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلاَّ كان له به صدقة٣٢".
الحضارة الإسلامية حضارة الأمانة
تميزت الحضارة الإسلامية عن غيرها من أنواع الحضارات بأنها حضارة أمانة مطلقة، فعندما قام علماء المسلمين بترجمة ونقل الكثير من علوم اليونان والفرس والهنود وغيرهم، فإنهم لم ينسبوا ما نقلوا لأنفسهم، وإنما إلى أصحابه الذين نقلوا عنهم، فهم يقولون أن هذا الأمر عند حالينوس كذا، وإن أرسطو قال كذا، عملاً بقوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا النساء:٥٨. عن أبي هريرة عن النبي قال : "آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان٣٣".
وهنا يبدو الفرق واضحاً بين رواج الحضارة الإسلامية من ناحية، وعلماء اليونان الذين نقلوا كثيراً عن غيرهم ونسبوه إلى أنفسهم من ناحية أخرى، وقد أثبتت الأبحاث الحديثة أن اليونانيين استقوا كثيراً من علومهم من قدماء المصريين ، ولم يشر اليونانيون لمصادر معلوماتهم ، وأثبتوها على أنها من اكتشافهم، وحتى الكثير من علماء أوروبا عندما أخذوا الحضارة الإسلامية فقد نسبوا كثيراً من الاكتشافات لأنفسهم، غير أن المخلصين منهم أثبتوا هذا الحق لعلماء المسلمين٣٤.
الحضارة الإسلامية حضارة العدل
ألزمت أسس الحضارة الإسلامية قادة المسلمين ، وقضاتهم ، وحكامهم بمراعاة العدل في المعاملة بين المسلمين، دون تمييز بين عناصرهم ، وفئاتهم ، وقومياتهم ، وطبقاتهم ؛ فالمسلمون كلهم سواء أمام الحق، وبين يدي القضاء، وإيجاد فرص العمل المتكافئة للجميع، وفي اقتباس العلم والمعرفة، فالتفاضل الذي تدعو إليه الحياة يقوم على التمايز بين الأفراد بخصائصهم الفردية الفطرية والمكتسبة٣٥. وشواهد مراعاة العدل بين الناس في نصوص الشريعة الإسلامية كثيرة جدّاً ؛ لنأت منها بالكليات الكبرى:
العدل في مجال حق الحياة :
لقد قرر الإسلام أن نفس المسلم مكافئة لنفس المسلم في حق الحياة، مهما كانت الفوارق الشخصية قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ٩٢ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا النساء:٩٢-٩٣.
وقال النبي : " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة ٣٦"، فهل في الحضارات الإنسانية الراقية سمو مثل هذا السمو الذي يقرر الإسلام ، وعدل مثل هذا العدل الذي يهدف إلى صيانة حياة الناس !
هذه هي الحضارة الإسلامية، بينما نجد في حضارات أخرى تفخر برقيها المادي المدهش ، تميزات عنصرية منتنة، تهدر فيها حياة الأبرياء ، ولا جريمة لهم إلا ألوانهم السوداء ، أو أنهم من أعراق أخرى، أو من أحزاب ومذاهب مخالفة٣٧.
العدل في مجال الحكم :
لقد قرر الإسلام وجوب العمل بالعدل في الحكم ، والقضاء ، وفي أداء الشهادات دون تمييز أو محاباة قال تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا النساء:٥٨. قال رسول الله : "أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فاختطب، فقال: أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها٣٨".
العدل في المعاملات الأدبية:
وفي مجال تبادل المسلمين مظاهر الإخاء الإيماني ، والبعد عن كل مظهر من مظاهر تعالي بعضهم على بعض يأمر الله تعالى أن يكرم المسلم أخاه المسلم ؛ فيرد تحيته بأحسن منها، أو بمثلها مهما كانت الفوارق بينهما، وينهى عن السخرية ، واللمز والتنابز بالألقاب ، قال تعالى: وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا النساء:٨٦ وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ الحجرات:١١.
قال رسول الله : "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة٣٩"، وقال رسول الله : "لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخوانا٤٠".
وبهذا نلاحظ مبلغ الرقي العظيم الذي تتصف به أسس الحضارة الإسلامية في بنائها الفكري الجيد٤١.
٣ منجزات الحضارة الإسلامية
لقد بينا فيما سبق خصائص الحضارة الإسلامية ، والآن ننتقل بك إلى بيان منجزات الحضارة الإسلامية في شتى مجالات العلوم الطبيعية.
لقد اعتنى المسلمون بالعلوم الطبيعية؛ حيث قاموا بترجمة المؤلفات اليونانية، ولكنهم لم يكتفوا بنقلها، بل توسعوا فيها، وأضافوا إليها إضافات هامة ؛ تعتبر أساس البحث العلمي الحديث، وقد قويت عندهم الملاحظة، وحب التجربة والاختبار، وفيما يلي نتحدث عن أهم المنجزات العلمية في الحضارة الإسلامية:
الخلاصة
الحضارة تعني في أصل اللغة الإقامة في الحضر، والحضارة ضد البادية.
الحضارة في الاصطلاح هي الجهد الذي يقدمه مجتمع من المجتمعات لخدمة المجتمع البشري في جميع نواحي حياته المعنوية والمادية.
الحضارة الإسلامية هي ما قدمه المجتمع الإسلامي للمجتمع البشري من قيم ومبادئ، في الجوانب الروحية والأخلاقية، فضلاً عما قدمه من منجزات واكتشافات واختراعات في الجوانب التطبيقية والتنظيمية.
مجالات الحضارة الإسلامية ثلاثة، هي: المجال الأول وهو ما يخدم الجسد ويمتعه من وسائل العيش، وأسباب الرفاهية والنعيم، ومعطيات اللذة للحس أو النفس. والمجال الثاني وهو ما يخدم المجتمع الإنساني، ويكون من الوسائل والأسباب التي تمنحه سعادة التعاون والإخاء، والأمن والطمأنينة والرخاء، وتمنحه سيادة النظام والعدل والحق. والمجال الثالث وهو ما يخدم الجانب الروحي ويأخذ بيد الإنسان إلى تحقيق السعادة الحقيقية في الحياة الدنيوية والبرزخية والأخروية.
تمتاز الحضارة الإسلامية ببعض الخصائص من أهمها: أنها حضارة عقيدة، وحضارة عالمية، وإنسانية، وصالحة لكل زمان ومكان، ومتطورة، وتؤمن بالعلم، كما أنها تمزج بين المادة الروح، وهي حضارة أمانة مطلقة، وحضارة تتصف بالعدل.
حققت الحضارة الإسلامية منجزات رائعة في مجالات الطب، والصيدلة، والكيمياء، والعلوم الرياضية، والفلك، والجغرافيا، والخرائط، والأحياء، والفيزياء.
تركت الحضارة الإسلامية آثاراً واضحة في بناء الحضارة الغربية المعاصرة وتطورها، وذلك في ميدان العقيدة والدين، وميدان التشريع، وميدان العلوم التطبيقية، وميدان اللغة والأدب.
جازية - ليليا- مشرف
- عدد المساهمات : 1129
تاريخ التسجيل : 31/03/2009
العمر : 37
الموقع : برج بو عريريج
رد: الحضارة
بارك الله فيك اختي جازية على هذا المجهود الرائع
عبد الرحمن- مشرف
- عدد المساهمات : 500
تاريخ التسجيل : 27/08/2009
العمر : 43
الموقع : سوريا
رد: الحضارة
وفيك بركة اخي على الاطلالة السريعة و النيرة
شكرا
شكرا
جازية - ليليا- مشرف
- عدد المساهمات : 1129
تاريخ التسجيل : 31/03/2009
العمر : 37
الموقع : برج بو عريريج
مواطنة عربية- مشرف متميز
- عدد المساهمات : 902
تاريخ التسجيل : 23/02/2009
العمر : 45
الموقع : الجزائـــــر
رد: الحضارة
بارك الله فيك اختي على الاطلالة العطرة
جازية - ليليا- مشرف
- عدد المساهمات : 1129
تاريخ التسجيل : 31/03/2009
العمر : 37
الموقع : برج بو عريريج
رد: الحضارة
اين الباقي
جازية - ليليا- مشرف
- عدد المساهمات : 1129
تاريخ التسجيل : 31/03/2009
العمر : 37
الموقع : برج بو عريريج
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى