اللقاء الأخير

كان جالسا يبكي .. تضرجت لحيته بالدموع فما سمعه ليس بكلام عادي انه طامة كبرى .. فمر القوم سائلين .. ما الذي يبكيك يا أبا بكر .. قال : هذا نعي رسول الله ..لقد جاء الوحي ليعلن نبأ انتهاء نشر الدعوة .. ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) (المائدة : 3 )
وبدأت علائم المرض تظهر على الرسول ( فداك أبي وأمي ونفسي يا رسول الله ) وأحس الحبيب قرب الأجل .. فطلب من أهله أن يأخذوه لزيارة شهداء أحد ، عندها قال ولحيته مخضلة بالدموع .. ( السلام عليكم يا شهداء أح د، أنتم السابقون وإنا إنشاء الله بكم لاحقون ، وإني إن شاء الله بكم لاحق ) . وعندما أقفل عائدا سألوه عما يبكيك فقال : اشتقت لاخواني الذين آمنوا بي قبل أن يروني .. ( اللهم اكتبنا منهم يا أكرم الأكرمين )
واجتمع الحبيب بزوجاته أمهات المؤمنين قبل ثلاث أيام من وداعه .. وطلب منهن أن يأذنَّ له بقضاء أيام مرضه في بيت عائشة فأذنَّ له .. وعندما هم بالذهاب لبيت عائشة أقعده المرض فلم يستطع النهوض فأعانه على ذلك علي بن أبي طالب كرم الله وجهه والفضل بن العباس رضي الله عنه ، وأخرجوه من بيت زوجته ميمونة إلى بيت عائشة أم المؤمنين وهنا رآى الصحابة منظر الرسول وهو بعون علي والفضل يتوجه إلى بيت عائشة .. فهلع الصحابة وراحوا يتساءلون ما الذي حل بالحبيب .. دب الهرج والمرج .. واجتمع الناس على عادتهم في المسجد يتساءلون ، وتعالت أصواتهم فأمر الحبيب أن أخرجوني لأصحابي والعرق يتصبب منه تصببا لم يعهده انسيٌّ من قبل ، وراح يمسح تعرقه بيديه الطاهرتين وتعينه في ذلك عائشة أم المؤمنين وهو يقول لا اله الا الله .. إن للموت لسكرات .. ونظر الصحابة لحبيبهم .. ولحاله .. وهو صاعد المنبر .. فقال : أيها الناس كأنكم تخافون علي .. فرد الجمع بلى يا رسول الله .. فقال : موعدكم معي ليس الدنيا ، موعدكم معي عند الحوض .. والله لكأني أنظر اليه من مقامي هذا .. أيها الناس ، والله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكني أخشي عليكم الدنيا أن تنافسوها كما تنافسها الذين من قبلكم ، فتهلككم كما أهلكتهم ، يا قوم الله الله في الصلاة .. الله الله في الصلاة ..أيها الناس ، اتقوا الله في النساء ، اتقوا الله في النساء ، أوصيكم بالنساء خيرا .. أيها الناس إن عبدا خيَّره الله بين الدنيا و بين ما عند الله ، فاختار ما عند الله .. ( وكان يقصد نفسه ) فلم يفهمه أحد إلا أبو بكر الصديق الصادق الصدوق .. فراح يبكي وعلى نحيبه ..فوقف مقاطعاً النبي قائلاً : فديناك بآبائنا ، فديناك بأمهاتنا ، فديناء بأولادنا ، فديناك أزواجنا فديناك بأموالنا ، وظل رددها..
نظر الناس لأبي بكر .. كيف يقاطع النبي في حديثه .. فخشي الحبيب عليه من الناس فقاطعم قائلا : أيها الناس ، دعوا أبوبكر ، فما منكم من أحد كان له عندنا من فضل إلا كافأناه به ، إلا أبوبكر لم أستطع مكافأته ، فتركت مكافأته إلى الله عزوجل ، كل الأبواب إلي المسجد تسد إلا باب أبوبكر لا يسد أبدا .. (( اللهم اجمعنا مع الرسول الحبيب وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وكل الصحابة يا أكرم الأكرمين )) , وبدا الرسول بالدعاء قائلا :
" أواكم الله ، حفظكم الله ، نصركم الله ، ثبتكم الله، أيدكم الله ، أيها الناس ، أقرئوا مني السلام كل من تبعني من أمتي إلي يوم القيام.. ( وعليك السلام يا حبيبي يا رسول الله وعلى آلك وصحبك أجميعن ) .
وحُمل الرسول مجددا إلى بيت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها ..وأخذت تلين السواك الذي كان بيد عبد الرحمن أبي بكر والذي استحبه الرسول .. وردته للنبي لأنه لم يكن يقوى على فعل ذلك .. وكان ريقها آخر ما دخل جوف الرسول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم .. ودخلت فاطم بنت الحبيب حجرة والدها باكية فهذه أول مرة لا يستقبلها الرسول كما عودها حيث كان يقبل فلذة كبده من عينيها .. فأشار أن آتوني بفاطمة .. وأسرها بحديث أبكاها ثم أضحكها .. وكان وعده أنه بعد رحيله سيلقاها عند الرفيق الأعلي .. فأبكاها رحيله وأسعدها وعده بلقائها عند الرفيق الأعلى .. ثم طلب الحبيب أن أخرجوا من بالبيت ، فخرج الناس وتوسد حضن عائشة أم المؤمنين ، فجاءه جبريل عليه السلام سائلا : ملك الموت بالباب يستأذن أن يدخل عليك .. وما استأذن أحدا من قبلك .. فأذن له الحبيب .. فقال ملك الموت بعد دخوله :السلام عليك يا رسول الله ، أرسلني الله أخبرك بين البقاء في الدنيا وبين أن تلحق بالله .. فقال النبي : بل الرفيق الأعلى ، بل الرفيق الأعلى ، ووقف ملك الموت عند رأس النبي وقال : أيتها الروح الطيبة ، روح محمد بن عبدالله ، أخرجي إلى رضا من الله ورضوان ورب راض غير غضبان .. ، فسقط الرسول الحبيب فوق صدر عائشة أم المؤمنين فعرفت أن روحه قبضت .. فخرجة إلى الناس قائلة .. مات رسول الله .. مات رسول الله (( حسبي الله ونعم الوكيل فداك أبي وأمي وأهلي ودنياي يا حبيب الله ))
وراح الناس يبكون .. علي يا ابن عم رسول الله ما الذي دهاك أأقعدك الحدث ومنعك الكلام ، وأنت يا عثمان يا ذو النورين ما لي أراك تذرف الدموع عن غير هدى .. وأنت أيها الفاروق لما أشهرت سيفك قائلا : من قال أنه قد مات قطعت رأسه ، إنه ذهب للقاء ربه كما ذهب موسي للقاء ربه وسيعود ويقتل من قال أنه قد مات ، ودخل أبو بكر على محمد النبي الطاهر الزكي واحتضنه قائلا : وآآآ خليلاه ، وآآآصفياه ، وآآآ حبيباه ، وآآآ نبياه . وقبل النبي وقال: طبت حيا وطبت ميتا يا رسول الله.
ثم خرج أبو بكر قائلا .. : من كان يعبد محمد فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ... ويسقط السيف من يد عمر بن الخطاب وهو يهم بالخروج من المسجد ليجد مكان يخلو فيه بنفسه لأنه اشتاق البكاء ..
وبعد أن دفن الحبيب ووارى جسده الطاهر التراب .. قالت فاطمة فلذة كبد رسول الله : أطابت أنفسكم أن تحثوا التراب على وجه النبي.. ووقفت تنعي النبي وتقول: يا أبتاه ، أجاب ربا دعاه ، يا أبتاه ، جنة الفردوس مأواه ، يا أبتاه ، الى جبريل ننعاه .

حسبي الله ونعم الوكيل .. إن القلب يحزن .. وإن العين لتدمع .. وإننا لغارقون في بكائنا ونحيبنا .. اللهم نسألك الصبر والسلوان ومرافقة الحبيب في جنة الرحمة .. يا حنان يا منان ..

شكرا لمرورك الرائع أختي جازية .. جزاك الله كل الجزاء .. وأنزلك منزل من تحبين .. آمين .

ما العبرة من آخر خطبة قالها النبي الحبيب محمد أفضل الصلاة وأتم التسليم عليه وعلى آله الأطهار الأنجاب .. ( حجة الوداع ) ..

بقراءة متمعنة نرى أن الرسول محمد ( ص ) وضع شيئا لم يسبقه على وضعه أحد وهو ..
- ركز على المرأة وطالب المجتمع بالاهتمام بها .. فأعطاها منزلة لم تنلها في أي مجتمع من قبل ومن بعد .. أوصيكم بالنساء خيرا ..
- أوصانا بالصلاة وحض عليها .
- طالبنا بعدم الاقتتال فيما بيننا كمسلمين والاختلاف خشية الفتنة ..
- بشر المسلمون من بعده بحبه لهم لانهم آمنو به دون ان يروه ..
- أوصانا بابي بكر رضي الله عنه .. الذي لن يقدر على جزائه إلا الله لما له من دور في بناء الاسلام وبقائه .

ماذا يفعل المسلمون في يومنا هذا ..
كيف يعاملون المرأة ؟
كيف هي صلاتهم ؟
كيف تسري الفتنة بين ظهرانيهم ؟
هل نستحق حب الرسول لنا ؟
كيف نتحدث عن الصحابة .. ؟

حسبي الله ونعم الوكيل

شكرا لهذه المداخلات المتميزة أخواتي العزيزات جازية ومواطنة عربية ..
نعم هناك من يدعي الاسلام والاسلام منه براء .. وهناك من تراه يصوم ويصلي ويقرأ القرآن .. ولكن قلبه مغلف بالنفاق والرئاء والمداهنة والكذب والظلم والجور ..
هذه الأمور إنما مردها إلى ضعف النفس البشرية التي أمرنا الله أن نتقي شرورها وآثامها من خلال تقوية الوازع الديني .. نعم الوازع الديني الذي أصبح في يومنا هذا سلعة راكدة فوق الرفوف تعلوها الغبرة وربما تأكلها الرطوبة وتعشش فيها بيوت العنكبوت .. وأعود وأقول إلا من رحمه ربه .. لذلك جاءت توجيهات نبينا حتى في خطبة الوداع مؤكدة على تجنب آثام النفس الأمارة بالسوء .. ويكون بذلك قد منحنا الحل لجزء كبير جدا من المشاكل الاجتماعية التي يكون سببها النفس الغالبة على أمر صاحبها ..