عزف على قارعة الطريق

المعزوفة الأولى :

اليوم أشرقت الشمس وفي محياها خجل وحياء .. لقد جرت خلفها ابتسامة هادئة .. وبالكاد ظهرت نواجذها تتألق كاللآلئ وتبرق للعاشقين رسائل حب .. تلك الغيوم المتفرقة رسمت كلمات من الشحوب فكست الأجواء رونق الخريف .. أما البحر فهو وليس كعادته أخذ يلملم مده ويمد جذره هنا وهناك .. فتتلاطم أمواجه بلا وعي فوق صخور الصمت ..
أنه أول الخريف .. ربما سيأتي هذا العام باكرا ، وربما هي سحب عابرة أوهمتنا انه أول الخريف ..لست أدري .. كل ما في الأمر أني اشعر بهذا الشحوب عندما لا أرى وجهك أكثر إشراقا من اليوم الذي سبقه .. ربما .. لأني أشعر بشيء في داخلي يهذب دقات قلبي حين أراك .. وربما .. أتوق إليك سيدتي وأصبو إلى لقياك ..

يا لعبق الياسمين الدمشقي .. يا لطيب الريحان الحلبي .. يا لعنفوان النرجس البحري .. إنك أنت يا سيدتي من أهوى .. يا سيدة النساء .

المعزوفة الثانية :

يرتجل الصمت أناشيدا في مخيلتي .. يعيد علي كل يوم لحنه الحزين ليحييني فيه ، وكلما تألقت النجوم تجدد الصمت .. وهامت الأفئدة في غياهبه .
إلى متى أكف عن ترتيل هذه الشعوذات .. إلى متى يمضغني الليل كقطعة من زجاج ، إلى متى سأظل هنا أنتظر البحر فقد سئم الرمل مني ، وسئمت من الانتظار .. يا أيها الغروب الحزين امنحني من حزنك ما يشجيني .. فأنا أتوق للنسيان .. أتوق لمعرفة سبب حيرني وقض مضجعي .. لماذا لم يعد البحر بعد الجذر ..

المعزوفة الثالثة :
اليوم استيقظت باكرا .. وكعادة لم تكن بعادتي توجهت نحو النافذة .. فتحتها وعيناي معلقتان بالسماء .. يا الله كم هو جميل هذا الصباح .. هناك بعض من سحب خجلى تتسلل في الأفق لتنسج لوحة من كبرياء ورونق فوق الجبال التي خط الشيب هامها بشيء من ثلوج .. وهناك سرب من السنونو يحوم حول شرفة جارنا .. ألقيت بناظري المتثاقل كهرم هدته الحياة بعراكها .. حاولت أن أبحث عما يشغل هذه الطيور .. تسمرت الكلمات .. وكأنها ابت لتخرج من وقع ما رأيت .. كانت هناك فاتحة نافذة شرفتها .. ترتدي من الجمال ما يصبغ معالمها الساحرة .. وتمد يدها محاولة معانقة السماء .. وعلى مد البصر كانت رائحة الياسمين تعانق الأجواء لتبرق لي رسائل من نور وترسلني لعالم الحب طيفا هائما حالما هيهات يصحو من وقع الهوى .. سيدتي تلك هي انت .. أنت من جعلت للحياة طعما ولونا ودقات من أعذب الألحان تنطق بالحياة .

المعزوفة الرابعة :

البحر هادئ .. لا أمواج .. لا مد ولا جذر .. الماء صافية .. حتى أنك إن امعنت النظر فيها فإنك سترى أسماك الببغاء بأسرابها الرائعه تقطع المسافات اللامتناهية جيئة وذهابا .. وفوق تلك الصخور كانت بقايا من الطحالب عالقة .. فقد اكلتها الشمس وكأنها وليمة غير متوقعة .. هناك على الشاطئ كان السرطان يبحث عن نفسه يحاول الاختباء خلف أي شيء يحجب عنه اللهيب ويقيه شر الحر .. الساعة الآن الثامنة صباحا .. والحرارة في هذه اللحظات 39 ، إنه الصيف في ذروته .. خطر لي خاطر .. أن ألقي بنفسك أيها الهائم في هذا الكون المترامي الاطراف في أعماق البحر حاول أن تمارس هوايتك في الغطس ، وابحث عن لحظات تنسيك هموم الدنيا وقسوة المعاملة .. ترددت كثيرا وكنت على وشك العودة من حيث أتيت ، لكنها دفعت بي للبحر أسراب من الحوريات كن يتراشقن الماء والرمل .. فتتوه جدائلهم فوق جيدهن حينا وحينا تعانق الفضاء الرحب لتنعم بشيء من نسائم قد تظهر فجأة .. يا الله كم أنهن جميلات أصواتهن حركاتهن ضحكاتهن .. الآن أصبح للبحر طعم ولون والآن أصبحتَ تشعر بأن الموج تحرر من صمته وبدأ المد والجذر والحياة.. والآن أصبحتَ تدرك أن اليوم بدأت أحداثه ..

المعزوفة الخامسة :
تتألق الكلمات حين أبوح باسمك .. وترقص العبارات طربا عندما أردد اسمك .. ويشع النور يورق دفئا حينما ألمح اسمك .. يا سيدة في الحسن .. كلما أغمضت عيني سرقني النوم لعالمك الوردي فرأيت نفسي أسيرا مقيدا تتجاذبني شفاهك كالسلاسل الظمآ لدمي .. يا سيدتي وجدت نفسي اتنفس انفاسك .. وأصغي لدقات قلبي في صدرك .. أصبحت أخشى على نفسي من عواطفك القاتلة .. ومشاعرك القاتلة .. ونظراتك القاتلة .. لا تخافي فلن أبوح بها لأنها في داخلي تنمو كالزهور كالقبل تنمو فوق الشفاه وفوق الخدود ..
يا سيدتي حين يعزف الربيع ألحانه .. تتراقص النسائم طربا فوق جدائلك .. وأشعر برعشتها فوق شفاهك .. يااااااه لهذا الربيع المسكين كم احسده على موته فوق صدرك .. وكم اتحسر على عمري الذي يمضي سدى بين أناملك وفوق مساحات الصمت على جسدك ..

المعزوفة السادسة :

تلبدت السماء بالغيوم .. واصطبغ النهار بزرقة داكنة .. ملامح الخريف تكاد تطغى على قلوبنا وعقولنا وفرحتنا .. وتلك النوارس أوشكت على الرحيل .. إنها تخبرنا بشوقها لنا .. وحبها لنا .. وإخلاصها لنا .. تحلق فوق البحر الصاخب ضجرة حزينة .. لكنه قدرها ان ترحل كل عام في هذه الفترة من الزمن كي تعيش حياة جديدة في أماكن جديدة .. إنها لا تدري انها ملكت قلوبنا بحضورها وجمالها ورقتها وعذوبتها .. فكيف لنا أن نحتمل فراقها .. سأنتظر عاما هاهنا .. سأنتظر عودتها فبحوزتها قطعة من جسدي تنبض بداخلها .. وكيف لي أن أحيا بلا قلب ..
سأعترف أيتها النوارس أني أحبك حبا جنونيا .. فأنت من كانت تؤنسني في وحشتي .. وأنت من كانت تصغي لي في نجواي .. وأنت من كانت تزرع ابتسامات الورود على شفاهي .. من اجل ذلك سأنتظر .. فلا طعم للحياة إن لم تكوني فيها ..

المعزوفة السابعة :


أفقت باكرا .. ترددت في الخروج إلى البحر .. كانت زخات المطر قد بدأت تنشد ألحانها .. قلت في نفسي أخشى أن تنال مني نفحات البرد ، لكن شوقي لحبات المطر كان أكبر من تفكيري .. فخرجت مسرعا نحو البحر .. لم ألحظ أحدا في الطريق ، كان الرصيف يصفر من الرياح وأوراق الأشجار تلهو بمفردها فوقه ، أحسست بعيناها مغمضتين تلاحقني في كل مكان ، وأنفاسها تحوم حولي محملة بأريج الحب ، أحسست بها في كل ركن ، سمعت صوتها الهادر كالموج ، تردده أسراب النوارس فوق كل مد وجذر ..
يا سيدتي كيف انجو من عينيك من شفتيك من أشواق تحرقني كالبركان .. يا أيتها المتمردة على نواميس العشق .. كيف لي أن أتحمل هذا التمرد في عينيك وفي شفتيك .. يا أروع النساء .. وأرق النساء .. وألطف النساء .. وأعذب النساء .. وأجمل النساء

من تتقمصني .. كي تشعر بالنبض على شفتي او بين جنون الأفكار .. لست أبالي طعم الحب على شفتي .. إحساسي اني منتصر بالحب يؤرق ذاكرتي .. لن ابحث عنك فأنت هنا .. في هذا القلب الموقوف بجرم الخفقان .. يا سيدة في عمري تضاجعني الذكرى ليل نهار فأغدو مهترئ الأفكار .. .. كنتِ ولا زلتِ صرخة شوق محترق فوق براعم أشواقي .. يا سيدتي أهرب من نفسي لنفسي .. فلما أخشاك .. وهذا الختم وكل الأوراق الرسمية بين يدي .. والأحبار