في البرزخ

من طرف جازية - ليليا الإثنين نوفمبر 23, 2009 7:19 am

صحوت من النوم .. بعد يوم من العناء .. فلقد شغلتني الدنيا ببريقها .. وسبتني عقلي الذي أجهدته في التفكير الدائم بما سأجني وكم سأجني وكيف سأجني ..
فجأة سطع أمامي نور غريب وقوي جدا استعجبت أمر النور من أين أتى؟؟ وزادت دهشتي عندما نظرت إلى الساعة الجدارية كانت تشير إلى الثالثة صباحا ، وكانت المصابيح في الغرفة مطفأة فمن أين جاء النور ؟؟ حارت تساؤلاتي من أين هذا النور ؟؟؟!!!

فزعت جداً ... عندما حاولت النهوض لأستفسر وضعت يدي على الجدار ألمس قابس المصباح .. فإذا بيدي تدخل الجدار للمعصم .. أخرجتها بسرعة ... أعدت الكرة مرة تلو أخرى .. نظرت إليها بتعجب ؟؟!!

ما الذي يحصل؟؟

بينما أنا بين تساؤلاتي إذا بي أسمع صوت ضحك

نظرت إلى ناحية الصوت فوجدت أخي نائماً بجانبي
ورأيته يحلم
يحلم بأنه يركب سيارة حديثة
وانه ذاهب إلى حفلة كبيره جداً
لناس أغنياء جداً

وانه في أبهى حله ليكون أجمل من في الحفلة

ابتسمت من روعة ما هو فيه .. ولكن!! كيف تمكنت من رؤية حلمه ؟؟

شدني انتباهي إلى واقعي .. ما الذي يحصل؟؟؟

توجهت لحجرة نوم أبي وأمي .. وقصدت أمي تحديدا .. شعور انتابني بأن أخبرها ما يجري

جلست إلى جوار رأسها ورحت أناديها بصوت خافت ... أمي ... أمي!

ولكن أمي لا تستجب لي . فقمت أوكزها برقة ... ولكنها لا ترد ... وكأني لا

ألمسها ..!!

بدأ الخوف يتملكني ... وأخذت أرفع صوتي قليلاً .. أمي ... أمي ..!!

صرخت .. ولكن لم لا تستجيب لي .... هل ماتت ؟؟؟

وأنا في ذهولي بتخيل موت أمي ... إذا بها تفيق من نومها كمن كانت

بكابوس

كانت فزعة جداً وتلهث .. وتنظر يمنة ويسرة ... فبرق دمعي على عيني وقلت بصوت

خافت: أمي أنا هنا.

فلم ترد علي ...

أمي ألا تريني ؟؟؟!!

أمي ؟؟؟؟

ورحت أقول أمي بكل عجب أمي ... أمي

أمي ..

أمي ..

وكانت تضع كفها على صدرها لتهدئ خفقان قلبها

وتقول بسم الله الرحمن الرحيم

ثم التفتت إلى أبي ... واخذت تفيقه من نومه ..

فأجابها ببرود.. نعم؟

فقالت له قم لأطمئن على ولديّ

فرد أبي: تعوذي من الشيطان ونامي

فقالت أمي:أنا قلقة جداً ... أشعر بضيق ... وضنك يملأ صدري .. وأشعر أن هناك

مصيبة

وأنا أنظر إليها بذهول .. وكنت أعلم جيداً إحساس الأم لا يخيب

فقلت : يا أمي أنا هنا .. ألا تريني يا أماه ... أمي

فقامت أمي ومشت إلى حجرتي حاولت أن أمسك لباسها .. لكن لم أستطع الإمساك به ..

وكأن يدي تخترقه

ركضت إلى أمامها ووقفت .. ماداً ذراعي لها ..

فإذا بها تمر مني ؟؟!!

فأخذت ألحقها وأصيح أماه ... أمااااااه ؟؟!

ووالدي كان خلفي ... فلم ألتفت إليه ... كي لا يتجاهلني ...

دخلت امى إلى حجرتي وأخي وأشعلت المصباح ..

الذي كان مضاءً بنظري

كنت نائما على السرير .. كيف وأنا أقف بقربها
فنظرت إلى يدي باستنكار .. من ذاك ... ومن أنا ...

كيف أصبحت هنا وهناك

وقطع سيل اندهاشي صوت أبي : كلهم بخير .. هيا لننم.

فردت أمي : انتظر أريد أن أطمئن على محمد.

ورأيتها تقترب من سريري.

وتنظر إلي بعين المتفحص

وتضع يدها على كتفي قائلة ... محمد .... محمد

لكنه لم يرد ... فصحت أنا أمي .. أنا هنا أمي

بدأت تضربه على كتفه بقوه ... وتصيح ... محمد .... محمد

لوت وجهه إليها وتلطمه ... محمد .... محمد .... وبدأت تإن وهي تقول ...محمد

... محمد

فركضت إليها ... أبكي على بكائها ... أمي ... أمي

أنا هنا يا أمي ... ردي علي أماه ... أنا هنا

وفجأة صرخت ولقيت الصرخة توجع قلبي

بكيت

وقلت لها أمي لا تصرخي .. أنا هنا

وهى تقول: محمد

فركض أبي إلى سرير

ووضع يده على صدري ... ليسمع نبضي ...

وآلمني بكاء أبي بهدوء .. وبهدوء يضع يده على وجهي ويمسح بوجهه على جبيني

فتقول أمي : لم لا يرد محمد

والبكاء يزيد وأنا لا أعرف ما العمل

استيقظ أخي الصغير على الصوت أمي وهو يسال ما الذي يحصل؟؟

فردت أمي صارخة: أخاك مات يا احمد.

مات

فبكيت أقول: أمي أنا لم أمت .. أمي أنا هنا ... والله لم أمت ... ألا تريني

أمي ... أمي

أنا هنا انظري إلي

ألا تسمعيني

لكن بدون أمل

رفعت يدي ...لأدعو ربي

ولكن لا يوجد سقف لمنزلنا

ورأيت خلق غير البشر وأحسست بمشاعر وأحاسيس غريبة هي كما الألم أو أشد ألما
ألم جحظت له عيناي وسكتت عنه آلامي

نظرت لأخي فوجدته يضرب بيده على رأسه وينظر إلى ذاك السرير قلت له: اسكت أنت

تعذبني

لكنه كان يزيد الصراخ

وأمي تبكي في حضن أبي

وزاد النحيب

وقفت أمامهم عاجزاً ومذهول

رفعت راسي إلى السماء وقلت: يا رب ما الذي يحصل لي يا رب

وسمعت صوت من حولي ... آتياً .. من بعيد ... بلا مصدر ..
"حصحص الحق الذي كنتم به تمارون "
صوت مألوف أخذ يعلو شيئا فشيئا .. ارتحت له لأنه كان مألوفا نعم إني أعرفه إنه القرآن الكريم
أخذ الصوت يعلو ... ويزيد ...
نعم إنه القرآن والصوت بدأ يقوى ويقوى ويقوى
هزنى من شدته
كان يقول :' لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ
غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ'
شعرت به مخاطباً إياي.
وفى هول الصوت

وجدت أيدي تمسك بي

ليسوا مثل البشر

يقولون: تعال.ويسحبونني بقوة يجرونني كأنهم يجرون جبلا

قلت لهم ومن انتم؟

وماذا تريدون؟

فشدوني إليهم فصرخت

أتركوني

لا تبعدوني عن أمي وأبي .. وأخي ...

هم يظنوا أني مت...

فردوا : وأنت فعلاً ميت

قلت لهم: كيف وأنا أرى وأسمع وأحس بكل شيء
فقالوا: ليس الموت نهاية الحياة .. تنتظرك حياة أخرى
إنها عالم البرزخ
سألتهم أين أنا ؟؟ ... وإلى أين ستأخذوني؟؟
قالا لي: نحن حرسك إلى القبر
ارتعشت خوفا
أي قبر؟
وهل ستدخلونني القبر
فقالا: كل ابن آدم داخله
فقلت: لكن..!
فقالا: هذا شرع الله في ابن آدم
فقلت: القبر .. كنت أخشاها ويرتعد لها جسمي ... وكنت أستعيذ الله منها وأتناساها.
لم أتخيل أني في يوم من الأيام داخل إلى القبر.
سألتهم وجسمي يرتعش من هول ما أنا به: هل ستتركونني في القبر وحدي؟
فقالا: إنما عملك وحده معك.
فاستبشرت وقلت وكيف هو عملي؟؟ أهو صالح؟

كنت أسألهم باستغراب .. ومن حولي كانت هاك ضجة كبيرة كأنها ورشة عمل ضخمة .. كنت أرى من حولي أناس كثيرون يصرخون ويستغيثون وأناس يقطعو ويحرقون ويعذبون وأناس يتعبدون ويستغفرون
وقربي ارتفع صوت صريخ أحدهم فالتفت أليه وهناك صوت ثاني كان أيضا يرتفع ...

كانا برفقة كالذين برفقتي
سألتهم: لم يبكيذاك ؟!
فقالا: يعرف مصيره. كان من أهل الضلال فله النار
قلت: أيدخل النار؟ واسترأفت بحاله
وهذا؟؟ وكان متبسماً سعيداً رضياً .. أيدخل الجنة؟؟
ماذا عني؟
أين سأكون ؟
هل إلى نعيم مثل هذا أم إلى جحيم مثل ذاك؟

أجيبوني ..

فردا: هما كانا يعلمان أين هما في الدنيا. والآن يعلمون أين هم في الآخرة.

وأنت؟! كيف عشت دنياك؟؟

فرددت : تائه؟ .. متردد؟

قليلٌ من العمل الصالح وقليل من الطالح؟

أتوب تارة وأعود بالمعاصي كما كنت؟

لم أكن أعلم غير أن الدنيا تسوقني كالأنعام.

فقالا: وكيف أنت اليوم هل ستضل متردداً تائهاً؟
فصرخت:ماذا تقصد . أواقع في النار أنا؟
فقالا: النار .. رحمة الله واسعة
ولا زالت رحلتك طويلة.
نظرت خلفي ... فوجدت عمي وأبي وأخي يبكون خلفي
يحملون صندوق على أكتافهم
ركضت مسرعاً إليهم
صرخت . وصرخت .. ولم يرد علي أحد
أمي كانت بين الناس تبكي ... تقطع قلبي وذهبت إليها ... فقلت أماه ... لا تبكِ
.. أنا هنا أسمعيني ... أمي ... أمي ... أدعي لي يا أمي وقفت بجانب أبي :
وقت
في أذنه: أبي ... استودعتك الله وأمي يا أبي ... فلترعاها ... وتحبها كما
أحببتنا .. وأحببناك ...
صرخت إلى أخي ... أحب إلى من نفسي ... وقلت له ... وا أخيا فلتترك الدنيا خلفك

...

إياك ورفقة السوء وعليك بالعمل الصالح ... الخالص لوجه ربك ... ولا تنسى أن
تدعوا لي وتتصدق لي .. وتعتمر لي ... فقد انقطع عملي .. فلا تقطع عملك .. حتى بعد موتك ... فقد فاتني . ولم يفتك أنت ... وتذكرني ما دامت بك الروح وإياك
والدنيا فإنها رخيصة ولا تنفع من زارها ... وقفت على رأسهم كلهم ... وصرخت
بكل صوتي:وداعاً أحبتي .. لكم يحزنني فراقكم ... ولكن إلى دار المعاد معادنا ..
نلتقي على سرر متقابلين .. أن كنا من أصحاب اليمين ..
لم يجبني أحد ... كلهم يبكون ... ولم يسمعني أحد ... تقطع قلبي من وداعهم بلا
وداع
لم أتمنى قبل ذهابي إلا أن يسمعوني
وشدني صحبي .. وأنزلوني قبري
ووضعوا روحي على جسدي في قبري
ورأيت أبي يرش على جسدي التراب
حتى ودعني .. وأغلق قبري
لا يشعرون بما أشعر
وأحسدهم على الدنيا ... لطالما كانت مرتع الحسنات ولم آخذ منها شيء
لكن لا ينفعني ندم
كنت أبكى وكانوا يبكون
كنت أخاف عليهم من الدنيا
وأتمنى إذا صرخت أن يسمعوني
وخرجوا كلهم وسمعت قرع نعالهم
وبدأت حياتي ... في البرزخ ..

لا إله إلا الله ... لا إله إلا الله .... لا إله إلا الله

للروائي ناصر احمد هويس